الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

طريق الأتراك

حياة ابو فاضل
A+ A-

هبط أول أريج ربيع آت على طريق الأتراك تحت بيتي. حلّ كالأعجوبة بعد شتاء صقيع أخّر مواعيد لقاء العصافير وأزهار الشتاء لتتبادل أسرار البدايات الجديدة. تمدّدت خيوط الشمس فوق الأخضر النابت على الطريق كأنه صدى للحى رجال هذا العصر، تستيقظ من سبات طال لتذكّر بعصور استبداد عثماني كَبَتَ حرية نماء إنساننا المشرقي أربعة قرون قهر وظلم، تركت وراءها دروباً شقّتها هنا وهناك، وتاريخ أحداث أليمة يدرسها الطلاب ثم ينسونها متى قرع الجرس، ليتذكروها كباراً يحكمهم "طاقم" لا ينتمي الى عصر محدّد، حركة فكره ابنة عقل احتفظ بالوراثة بما تيسّر من سلبيات حكم عثماني متحجّر، عاجز عن إدراك مفهوم التطوّر البشري الذي يقوم عليه نظام الوجود.


وهكذا صرنا في لبنان خارج دورات التطور أثناء محاولاتنا بناء وطن فشلنا في إرساء أساساته حتى اليوم. نحن تائهون داخل حلقات مفرغة من ثرثرة لا جدوى منها، تدور حول ما سيفتح أمام المسؤولين السياسيين مساحات المراكز السلطوية التي توفّر لهم مجالات السيطرة والربح المادي. ويقف الوطن ومصالح ناسه على درجات متدنية من سلّم أولويات "بناء" افتراضية ما دخلت مجال الحقيقة بعد. وبسبب عدد أهل السياسة الكثير وغير المجدي، اتّسع مجال الخلاف والتنافس، وصار بلوغ مطلق هدف، إن في مشروع موازنة جديدة، أو في قانون جديد للانتخاب، شبه مستحيل. فالموازنة التي تنظّم حركة ما يدخل وما يخرج من الخزينة، ماتت منذ عشر سنين وضاعت الحقيقة وأفلست الخزينة. ثم استفاقت المذهبية لترسم هيكلية قانون انتخاب متخلّف، فيما العثمنة الرديئة تعشش في نفوس كل السلطويين.
نحن في قلب عصر انحطاط، يبلغه إنسان الأرض متى نسبة التناغم بينه وبين دستور النظام الكوني الذي يضبط حركة الوجود باتت متدنية. وكأن حركة تطوّر الوعي البشري تنطلق صعوداً ثم تنحدر بحسب انحدار الوعي الجماعي للجنس البشري. وما من شك في أن قرون الاستبداد العثماني، والاجتياح الاسرائيلي لفلسطين، وقبلاً الحربين العالميتين، ثم كل ما نشهد عليه اليوم من دمار في مناطقنا، ومن مذهبية فككت مجتمعاتنا تنتمي الى هذا العصر.
ومن مشاهد "العثمنة" المنحدرة في لبناننا الديموقراطي: ألقاب أهل الحكم، يصرّون على ارتدائها لتحافظ على صورهم الزائفة وقد أحالوا الوطن علبة جوائز لهم ولأبنائهم الذين هم على صورتهم الرديئة ومثالهم. ويذكّر غرورهم بأشخاص متاحف الشمع التي لا تبالي ولا تشعر، داخلها فارغ لا يخبئ عقولاً ولا قلوباً نابضة، فينتفخون وأيديهم ممدودة الى كل ما ليس لهم، حتى أحلام الأطفال.
بئس زمن ديموقراطية عثمانية حدودها "وَهم"، وضمير كل من يتولى شؤونها من الحكّام "وَهم"، والكل في وليمة فساد بلا حدود.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم