الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أصغر فرهادي الغائب عن حفل الـ”أوسكار”: متمرّد في أميركا، مساوِم في إيران!

المصدر: "النهار"
أصغر فرهادي الغائب عن حفل الـ”أوسكار”: متمرّد في أميركا، مساوِم في إيران!
أصغر فرهادي الغائب عن حفل الـ”أوسكار”: متمرّد في أميركا، مساوِم في إيران!
A+ A-

يمكننا كتابة الكثير عن أصغر فرهادي وزملائه السينمائيين الإيرانيين، في ضوء فوز صاحب "البائع المتجول" بـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، خصوصاً بعدما بعث برسالة سياسية تحمل موقفاً واضح المضمون مع رائدة الفضاء الإيرانية التي تسلّمت عنه الجائزة (غاب عن الحفل احتجاجاً على حظر #ترامب)، هو الذي لا يتكلّم عادةً في السياسة، شأن العديد من المخرجين الإيرانيين الذين سبقوه، أولهم الراحل الكبير عباس كيارستمي، وهم يكتمون مواقفهم خوفاً وخشية على مصالحهم وضماناً لاستمراريتهم داخل #إيران. كان في وسع هؤلاء الرحيل والعمل خارج وطنهم، لكنهم على علاقة عضوية ببيئتهم ومحيطهم، يفضّلون المتاعب على الراحة والبال المطمئن.



مشكلة هؤلاء أنهم لا يجرؤون على قول ما يهجسون به عن نظام الملالي كما قد يقولونه عن "أنظمة" أخرى. وفي هذا، يشبهون الشعوب العربية المقموعة التي لا يحقّ لها التظاهر إلا ضد "الشيطان الأكبر". لن تسمع منهم موقفاً ضدّ النظام الذي يعيشون ضمن أسواره، وهو أشد تعصّباً وانغلاقاً من إدارة ترامب. لن تقرأ لهم موقفاً من انتهاكات حقوق الإنسان، وإن فعلوا فيأتي ذلك على هيئة الإفراط في تدوير الزوايا. هذا خيار شخصي بالتأكيد. وأنا من مؤيدي عدم إقحام الفنّ في مستنقعات السياسة، ولكن عندئذٍ يحقّ لنا أن نسأل لمَ تشتد نبرة فرهادي عندما يتحدّث عن رئيس دولة أخرى؟ هل لأنه حاصل على بركة سلطات بلاده وتفويض منها؟ ولماذا لم يرفع صوته بالقوة نفسها عندما مُنع زميله جعفر بناهي عن العمل؟ هل المنع والحظر في بلاده حلال، وفي بقية البلدان حرام؟ هو نفسه لم يعترض على توقيفه غداة عودته من كانّ وحجز جوازه، بعد عرض "الماضي"!
وفرهادي الذي تحرمه دولته من تقبيل أي امرأة أمام عدسات الكاميرا، مُنع ملصق فيلمه "الماضي" في إيران بسبب ظهور شَعر بطلته بيرينيس بيجو عليه، ولكن أفلامه كلها حازت على إجازة عرض من الهيئات المختصة. حتى انه قايض إجازة تصوير "انفصال" مقابل الانسحاب من بعض المواقف التي كان أعلنها سابقاً تأييداً لزملاء مضطهدين له. حتى نصوصه، المحافظة بعض الشيء، بدأت تصبح أقل نقداً. "انفصال" كان أكثر نقداً من "البائع المتجول". و"عن إيلي" أكثر من كليهما.



ولكن إيران، خلافاً لغيرها من الديكتاتوريات، تمتاز بالدهاء السياسي وتعرف كيف تتلقف أي انتصار لأحد فنانيها خارج حدودها، لتوظّفه لمصلحتها. يسارع المسؤولون إلى تبنّي تلك النجاحات. حصل هذا مع الجوائز التي نالها فرهادي. تصفّق السلطة عندما تجد في أي فوز مناسبة لبث صورة حضارية لمجتمعها في الغرب، وتعيد العنصر الضال إلى صفوف التأهيل فور الخروج عن الطاعة.
شطارة فرهادي في الإمساك بخيوط السيناريو وموهبة سينمائيين إيرانيين آخرين في الإخراج، جعلتنا منذ سنوات نصرف النظر عن صمتهم الذي ينمّ عن عقد سريّ مبرم بين السلطة الإيرانية والسينمائي: المهرجانات والجوائز مقابل عدم الاقتراب من الموضوعات الحساسة. لا شيء خارج السيطرة. والأفلام التي يقدّمها سينمائيون نحبّهم عن الواقع الإيراني (على أهميتها وتعرّضها لعدد من الاشكاليات)، لا تخرج عن نطاق تلميع سجل إيران السيئ في العالم. لذلك، في السينما الإيرانية يصعب جداً تحديد ما ينتمي إلى الفنّ الخالص، وما ينتمي إلى البروباغندا الناعمة التي تعايش معها الإيرانيون لدرجة عرفوا كيفية صوغها لتصبح آخّاذة ومغرية وشاعرية.



واليوم، يبدو أنه ثمة حاجة إلى الحليف الإيراني، حاجة إلى تقديم صورة مقبولة عن هذا البلد ليبرّر تحالف الغرب معه، وإظهار الحياة المتناغمة في إيران، التي تلامس الحياة الغربية. ومَن أكثر من فرهادي يستطيع التنقيب في الواقع الإيراني المتصدّع من دون أن يصل إلى حقائق مزعجة (كاملة). فهو يعشق الأبواب نصف المفتوحة. الخطاب الأخلاقي. هذه تربيته وتأهيله. هو الذي يعرف كيف يداعب القسوة بكفّ من مخمل. لذلك، تصوير فرهادي في اعتباره دون كيشوت مبالغة، فهو فنان له أجندة ومصالح يتحرّك وفقها. يستطيع التمرّد على منصّة الـ"أوسكار"، ولكن في بلده يمشي مع الحائط.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم