الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الصومُ والعودة إلى الله

الخوري باتريك كسّاب
الصومُ والعودة إلى الله
الصومُ والعودة إلى الله
A+ A-

لا تَغيبُ ممارسات الصومِ عن الدياناتِ كافّة، فتتخذُ أشكالًا عدةً ومعاني متمايزة، لا سيّما أنّ في ممارستهِ ترويضٌ للنفس وتهذيبٌ لها. ولأنّ الديانات تدعو إلى سموّ الإنسانِ على ملذّاتِ الدنيا، وتالياً ملكتِهِ لنفسِهِ، لحَظَت جميعُها في تقليدها أزمنةَ صومٍ يترفّعُ فيها المؤمنُ عن شؤونِ الأرض.


أمّا في المسيحيّة فأزمنةُ الصومِ مُتعدّدة، من خلال مُعظمها يتحضّرُ المؤمنون للاحتفال بأعيادٍ كبيرة، مثل صومِ الميلاد، وصومِ السيّدة، وصومِ مار بطرس وبولس، وأطولُ تلكَ الأصوامِ زمنًا هو الصوم الكبير الذي يمتدُّ طوال الأسابيع السبعةِ التي تسبقُ حدثَ موتِ الربِّ يسوعَ وقيامتِهِ.


يكونُ الصوم بالانقطاع الكاملِ عن الأكلِ والشربِ حتّى الظهر، مصحوبًا بالتقشّف والإماتات. لأنّ الطعام والشربَ هي من حاجاتِ الإنسانِ ليبقى حيًّا، ينقطعُ الإنسانُ عنها، ويرتفعُ فوقَ الحاجاتِ الزمنيّة، نحو الرغبةِ الإلهيّة، التي تُنمّي وتقدّس."فليسَ بالخبز وحدهُ يحيا الإنسان، بل بكلِّ كلمة تخرجُ من فم الله" (مت 4، 4).ولا ينفصلُ الصوم لا عن الصلاةِ من جهّة، ولا عن الصدقةِ من جهةٍ أخرى. فما النفعُ من ممارستهِ وقلوبنا بعيدة من الربّ. لا فضل لنا إن نحنُ أظهرنا للناس صياماً، كما الفرّيسيّين، وقد فرّغناهُ من جوهرهِ ولم نبقِ إلّا على شكلِهِ الخارجي.
وفي الآونة الأخيرة تقليلٌ لأهميّة الصوم، وحججٌ واهمة يستعملُها البعض، للتهرّبِ منه ومن مشقّة ممارستهِ. فهناكَ من يحلّلُ ما شاء ويحرّمُ ما أراد، ويقولُ إنّ في الصدقةِ، مثلًا، تعويضاً عنه. والحقيقة هي أنّ الصوم بالانقطاع عن الطعام قد مارسهُ يسوع بنفسهِ وأكّدَ للتلاميذ ضرورة ممارسته قائلًا: "هذا النوع من الشياطين لا يخرُجُ إلّا بالصومِ والصلاة" (مر 9، 29). فالصوم والصلاة والصدقة، ثلاثٌ تترافق وتتكامل، ولا تحلُّ واحدةٌ منها مكان الأخرى.


لا يغيبُ عن بالنا أنّ من التزمَ الكنيسة وتعاليمها، التزم توجيهاتها المتعلّقة بالصوم. وشريعةُ الصومِ يُحدّدها رأسُ الكنيسة في رسالةٍ سنويةٍ يَبعثُ فيها إلى جميعِ أبنائهِ. ويستندُ رأس الكنيسة في رسالتهِ إلى الكتاب المقدّس، والتقليد الرسولي، وتقاليد كنيستهِ الخاصّة، وواقعِ الناس الحالي. والحالُ أنّ الكنيسة المارونيّة، مثلًا، لا تعفي من الصومِ إلّا من هم دون السابعة، والمرضى والعجزة والحوامل.


ها الصومُ عند الأبوابِ، فرصةٌ لنا لنعودَ بقلوبنا إلى الربِّ. لا نتكاسل. فلنقُم بجهادنا مُشدّدين رُكبنا الواهنة ولنمارس الصومَ الذي توصي الكنيسةُ به، تحضيرًا لعيش حدثِ موتِ الربّ يسوع وقيامته. لنصحب صومنا بالصلاةِ العميقة وعيشنا للرحمة، ولنسمح للربِّ بتجديد نفوسنا من خلالِ توبةٍ صادقةٍ وعودةٍ إليه. في هذا الصوم، أعيدوا الله سيّدًا وحيدًا على قلوبكم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم