الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هاتوا موازنة تصْدمُ الرأي العام

غسان العيّاش
هاتوا موازنة تصْدمُ الرأي العام
هاتوا موازنة تصْدمُ الرأي العام
A+ A-

ما زال مشروع الموازنة عالقاً في مجلس الوزراء، المنقسم حيالها بين خيارات عدّة: تأجيل البت بسلسلة رواتب القطاع العام أو إقرارها مع الموازنة الجديدة؟ تمويل السلسلة، في حال إقرارها، عن طريق الضرائب التي تستهدف الميسورين أو تغريم الفقراء وذوي الدخل المحدود؟
أسوأ الاقتراحات المطروحة على الإطلاق هو تأجيل البحث في السلسلة في الوقت الحاضر، من دون إلغائها، بل ترحيلها إلى وقت لاحق من هذا العام، بانتظار تبريد ردود الفعل على الإيرادات الإضافية المقترحة لتمويلها. إن تأجيل إقرار السلسلة لفترة وجيزة، بانتظار التفاهم على حلّ معضلة التمويل، يعني إقرار موازنتين هذا العام، واحدة آنية بدون سلسلة وأخرى لاحقة مخصّصة للسلسلة وضرائبها.



هذه البدعة مخالفة للقواعد الأساسية في إدارة المالية العامّة، التي قضت بوحدة الموازنة وحظرت تعدّد الموازنات في السنة المالية الواحدة. فالمبدأ الذي كرّسه الدستور، في لبنان وفي العالم، أن مشروع الموازنة يجب أن يكون شاملا، يتضمّن كل نفقات الدولة وكل إيراداتها في مستند واحد حتى يظهر الوضع المالي الحقيقي للدولة، من دون تمويه أو "احتيال".
إذا كانت النية متّجهة إلى إقرار السلسلة خلال العام الجاري، فيجب أن تتحلّى الحكومة بالشجاعة، فتدمج اعتماداتها بباقي أبواب الانفاق وتضيف الضرائب المستحدثة لتمويلها إلى الإيرادات الأخرى، تماما كما تقضي الأصول الدستورية والقواعد المالية الصحيحة.



صدْمُ الرأي العام قد يؤدّي إلى تحمّل الحكومة ثمنا سياسيا ينعكس انخفاضا في "شعبيّتها"، مع العلم بأنها محصّنة سياسيا لكونها جامعة لمعظم الكتل النيابية. لكن الصدمة مفيدة لسببين:
السبب الأوّل هو إعادة تذكير الناس بمشكلة المالية العامّة في لبنان، المستمرّة منذ أربعة عقود، وتنبيههم إلى أن استمرار المشكلة لن يكون بدون ألم، وصراخ، وأن تأجيل دفع الالتزامات لا يلغيها في نهاية المطاف. فلا إنفاق بدون ضرائب، مع التأكيد أن توزيع العبء الضريبي يجب أن يكون عادلا ومتناسبا مع إمكانات المكلّفين، عملا بقاعدة "الغُرْمُ بالغُنْم".



من حق المواطنين الاعتراض على البنية الراهنة للإيرادات لأنها غير عادلة، فهي تغرّم الاستهلاك أكثر مما تصيب المداخيل العالية. ومن حقهم القول بأن موارد الدولة لا تقابلها خدمات ملائمة أو مرافق ناجحة وإنها عرضة للهدر وسوء الإدارة والفساد. مع ذلك، فكل الضرائب التي تدفع في لبنان لا تصل نسبتها إلى 15 في المئة من الناتج المحلي، وهي من أدنى النسب في العالم. إن عائدات الضرائب في لبنان، كلها، لا تزيد عن نصْف الإنفاق، وهي لا تغطّي النفقات الجارية وحدها، ولا تزيد إلا قليلا عن خدمة الدين العام.
نقص الإيرادات وتوالي عجوزات الموازنة هما السبب في جعل الموازنة عقيمة لا تساعد على نموّ الاقتصاد. كل نفقات الاستثمار توازي نصف التحويلات إلى "مؤسّسة كهرباء لبنان".



السبب الثاني، أن تسليط الضوء على حقيقة الوضع المالي للدولة أمام الرأي العام اللبناني، يمهّد لإصلاح مالي حقيقي وطويل الأمد يبدأ في موازنة السنة المقبلة، ويسجّل لمصلحة عهد الرئيس ميشال عون الذي يرفع شعار الإصلاح.
إذا كانت النيّة متّجهة إلى الإصلاح ينبغي أن تكون الموازنة المقبلة جزءا من برنامج إصلاحي متكامل يمتدّ على سنوات عدّة. إن الإصلاح لا يكون ماليا وتقنيا فحسب، فإصلاح مالية الدولة هو جزء من إصلاح إداري وتشريعي واقتصادي واسع المدى.
فلتكن موازنة 2017 في لبنان موازنة الضرورة، بعد تحسين تركيبة إيراداتها ونفقاتها باتجاه العدالة ومساعدة الاقتصاد قدر الإمكان على النهوض. ولتكن موازنة العام المقبل جزءا من موازنة لخمس سنوات تنتهي بنهاية العهد، مسجلة أول إصلاح للمالية العامّة في تاريخ لبنان.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم