السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الطبلة ستشتاق إلى يديّ معلّمها ستراك... دمعة سميرة توفيق لن تجف

المصدر: "النهار"
إسراء حسن
إسراء حسن
الطبلة ستشتاق إلى يديّ معلّمها ستراك... دمعة سميرة توفيق لن تجف
الطبلة ستشتاق إلى يديّ معلّمها ستراك... دمعة سميرة توفيق لن تجف
A+ A-

سلّم روحه ورحل، لكن بسمته لم تفارق أذهان زملائه ولا الطبلة ستنسى براعته والمكانة التي حظيت بها بين الآلات الموسيقية بفضله. انتظر بزوغ الفجر وتوفي ضابط الايقاع ستراك سركيسيان عن عمر يناهز الـ80 عاماً بعد صراع مع المرض بدأ قبل ثلاثة أشهر. كافحه ستراك وواجه بكل ما يملك من قوّة، وبقي حتى أيامه الأخيرة يستذكر كل الماضي الجميل والبسمة لا تفارق وجهه، هو المؤمن الزائر للكنيسة في نحو دائم، "صاحب الدمعة السخيّة" كما يقول عنه اصدقاؤه.


مع الأطرش وعبد الوهاب والاخوين رحباني
ستراك، عازف الطبلة، ابن منطقة برج حمود، لم يتلقّ أي دروس فنية متخصصة. كان يردد بكل فخر في كل اطلالة ان ما حققه ثمرة مجهوده الشخصي من خلال تنمية موهبته وصقلها بمتابعة شخصية. أحبّ ستراك الطبلة، وليس مبالغة القول الطبلة ايضاً أحبته، اذ نشأت بينهما علاقة لم يدر بها أحد سواه. أقلع وفق أهواء موهبته التي وجّهته للمشاركة في أول حفل له مع الفنان كارم محمود ليغيّر نظرة عائلته التي كانت ترفض فكرة مزاولة ابنها مهنة العزف على هذه الآلة.
معه دخلت آلة الطبلة كنعصر أساسي في الفرق العربية الموسيقية، واستطاع ان يفرض حضوره أمام أهم الفنانين أمثال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش، حتى انه أدخل لوناً ونكهة جديدة في الايقاع الرحباني باعتراف الاخوين الرحباني.
بدأ ستراك مشواره الايقاعي في العام 1958 مع الراقصة ناديا جمال حيث تعرّف عليها في فندق "كومودور"، وواكب رفيقة دربه الفنانة سميرة توفيق منذ العام 1962 في حفلاتها في لبنان وخارجه، حتى عندما عادت فنياً في العام 2016 رافقها في حفلها المنتظر في ربيع سوق واقف.
في السبعينات بدأ مشواره مع فيروز والأخوين الرحباني لأكثر من عشر سنوات. وخلال تلك الفترة استدعاه الفنان فريد الأطرش ليرافقه في حفلة "أضواء المدينة" في القاهرة، فبدأ مشوار ستراك مع الأطرش في حفلاته وتسجيلاته في لبنان، وطُبعت موسيقى الأطرش آنذاك ببصمات ستراك.
كما رافق الراقصات سمارة واماني وداني بسترس وصولاً إلى الراقصة أليسار التي ألّف لها أخيراً عدداً من المقطوعات الموسيقية التي لم تبصر النور.



 


اسطوانة في باريس
هو أول عازف يصدر ألبوماً وتطبع اسطوانته في باريس. في رصيده الفني نحو 42 اسطوانة موسيقية لا تزال ايقاعاتها تجول في العالم حتى اصبح اسمه "عازف الايقاع العالمي". وعزفت بعض مقطوعاته في الفيلم العالمي Original Sin وقدّم نشيدين للجيش اللبناني من ألحانه بمناسبة عيد الاستقلال.


دمعة سميرة توفيق لن تجف
لعلّ الصورة المطبوعة في اذهان الاجيال الموسيقية هي وقوف ستراك بجانب رفيقة دربه واشبينة زوجته وعرّابة أولاده الفنانة سميرة توفيق. فنشرت ابنة شقيقتها لينا رضوان آخر صور له علّقت عليها بلسان خالتها: "عزاء سميرة توفيق ودمعها لرفيق الدرب ... رحلت اليدان اللتان أفرحت العالم بأكبر فن على مسارح العالم ولبنان، رحل عازف الإيقاع الأول ستراك سركسيان... رفيق درب سميرة توفيق، رفيق نجاحاتها في كل بقاع الدنيا ولبنان، النزيه المحب.هي إشبينة عرسه وعرابة كل اولاده، هو المحب كعائلته"، وتابعت: "دمعة سميرة توفيق عليك لن تجفّ وذكراك مؤبدة في مسيرتها... عائلتك عائلتنا كما عشنا العمر... عزاء سميرة توفيق كعزاءنا لعائلته المحبة، عزاء سميرة توفيق لأنفسنا وللفن الأصيل ... الكبار يبصمون بأياديهم كستراك سركيسيان، بصمته بفنه وإبداعه للعمر والتاريخ... من سميرة توفيق كل العزاء بدمع العمر والوفاء. بقيت ام رحلت ستراك سركيسيان الكبير باق في قلب سميرة توفيق". 


نقولا نخلة: كنت محظوظاً بمرافقته
الموسيقي وعازف العود نقولا نخلة بقي مع ستراك حتى آخر رمق. واكبه منذ دخوله في غيبوبة منذ يومين وحتى رحيله فجر اليوم. يخونه لسانه لدى استحضار كلمات توفي الراحل قيمته الفنية فيقول لـ"النهار": "هو من الزمن الجميل، كان لنا الحظ أن نرافقه في آخر أيامه والمشاركة في معزوفاته ومؤلفاته الموسيقية. رافقته مع سميرة توفيق في حفلاتها الأخيرة، ولا يمكن ان يقال عنه بأقل من أنه علامة فارقة في الفن الذي استطاع أن يقدّم ايقاعاً ملموساً لم يسبقه اليه أحد. ويعود الفضل له إلى دفع الفنانين العرب لتسجيل أعمالهم في لبنان وتحديداً استوديو بعلبك. ورغم مرضه، ظل يتذكر أدق التفاصيل الفنية في جلساتنا وصولاً إلى امور نحن نسيناها ربّما لتعلّق روحه فكراً وروحاً بالفن الذي كان يحبّه".



 


جورج شقر: معلّم لا ننساه
"انه معلم كبير لا ينتسى" يقول عازف الطبل جورج شقر بحزن كبير لـ"النهار"، ويضيف: "منذ نحو اسبوعين ذهبت أنا والسيدة سميرة توفيق لزيارته، وكان يتلقى العلاج. لقد بكت سميرة توفيق كثيراً". وبالنسبة إلى شقر الذي استفاد من تجربته مع ستراك خصوصاً في الحفلات فان "لا مثيل لستراك "كان فناناً صارماً ولا مزاح معه في العمل". ويتذكر شقر عندما بدأ يعزف مع فرقة سميرة توفيق كان يصرخ ستراك في وجهه عندما يخطىء في العمل: "كان يضربني على ايدي ويعيّط"، ويتابع: "هيدي أصول الاساتذة أمثال كركور ومحمد البرجاوي وستراك الذين بفضلهم وصلت إلى ما أنا عليه اليوم".


بو سعيد والنقابة: قيمة عربية
أمين صندوق نقابة محترفي الموسيقى والغناء عازف الطبل فريد بو سعيد تذكّر ستراك المؤمن بما يمكن أن تحققه النقابة منذ ان كان فيها في العام 2007، و"كان من مؤيدي كل الاصلاحات والافكار التطويرية التي كنا ننادي بها بهدف تحسين النقابة"، ويضيف بو سعيد لـ"النهار": "هو الأخ والصديق والأب الذي كان لي شرف مواكبته في حفلاته وتكريماته الأخيرة. هو الفنان الذي لا يمكن لعازف طبلة بصرف النظر عن المنهج التعليمي الذي يتلقاه إلا أن يتأثر به، هو قيمة عربية ليس في لبنان بل في مصر والملقب بـ"المعلم".
يقول فريد إنّ "ستراك كان سبباً في اتخاذ ام كلثوم قراراً بإدخال آلة الطبلة إلى أعمالها بعدما اعتادت على آلة الرق. فكانت أغنية "فكروني" الافتتاحية التي سمحت لأم كلثوم ان تدخل آلة الطبلة الى فرقتها الموسيقية"، ويؤكد انّ منصب الراحل كنائب رئيس النقابة سيبقى كما هو إلى حين اجراء انتخابات مقبلة.


ستراك مكرّماً
حاز ستراك تقدير كبار الفنانين والجمهور، وفاز بجائزة أول عازف ايقاع عربي من نقابة الموسيقيين في مصر وبإشراف محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش في العام 1973. وأطلق عليه الصحافي الراحل سعيد فريحة لقب "ملك الطبلة في العالم العربي" في العام 1980. كما مثّل الدول العربية في مسابقة Tele Europe عن أفضل عازف لآلة موسيقية في النروج وحصد الجائزة الأولى. واستكمل حصده أمجاد نجاحاته، فتم تقديره من جانب تلفزيون American Arab TV في العام 1992 ومنحته مديرية التوجيه في الجيش اللبناني درعاً تقديرياً في العام 2001.
تسلم دروعاً تكريمية أخرى من حاكم ولاية بوسطن في العام 2002 من وزير الثقافة آنذاك غازي العريضي وأيضاً من وزير السياحة حينها إيلي ماروني. كما حاز وسام الاستحقاق الوطني من رئيس الجمهورية اميل لحود وعلى درع تقديرية من الجمعية الثقافية الارمنية هاماسكائين وحصل على وسام أكبر ذهبي بعنوان "مسروب ماشدوتس" من بطريركية الأرمن الأرثوذكس كيليكيا والمشرق، وفي العام 2013 منحه رئيس الجمهورية الأرمنية الجنسية الأرمنية تقديراً لسيرته وعطاءاته الموسيقية.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم