الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

برناديت حديب وطلال الجردي بارعان في لعبة الحب والقتل

مي منسى
برناديت حديب وطلال الجردي بارعان في لعبة الحب والقتل
برناديت حديب وطلال الجردي بارعان في لعبة الحب والقتل
A+ A-

إغراء، حنكة، مشاعر غامضة، نيات مقشعرّة على فوّهة بركان، هي بعض من مكوّنات مسرحية "بتقتل"، المطبوخة على نار متأجّجة باستمرار، لاهبة، تضع امرأة ورجلاً في أتون خطايا الحياة الزوجية، الحب وعكسه، الغيرة الأكولة والثأر، الباطن والظليل. بحّاران يقودان مركب زواجهما على أمواج عاتية، فيما يظلّ المشهد بتنازعاته، وفجواته، حريصاً على الحس المرهف، والذوق الأستيتي، وهاتان فضيلتان، اكتسى بهما العرض مع إطلالة الثنائي البارع، المراهن منذ البداية على ديناميّته المتفجّرة حنكة، ومراوغة، لبلوغ جوهر المسرحية، برناديت حديب بجاذبيتها الأنثوية، وطلال الجردي بتألّقه في الشخصية المستعارة.


فنّانان تلاقيا في أسطورة المسرح وعلى نول الحوارات، بمذاقاتها الحلوة والمرّة، نسجا نموذجاً عن الحياة الزوجيّة. المسرحية المقتبسة عن دراما "جرائم زوجيّة صغيرة" للكاتب الفرنسي إريك إيمانويل شميت، بترجمة ملبننة من ماري كريستين طيّاح وإخراج جو قديح، بدأ عرضها على "مسرح الجمّيزة" في العاشر من شباط، عملاً فنيّاً مميّزاً بعناصره الإخراجية والاقتباسية والتمثيلية، التقط حواس المشاهد منذ إطلالة ليلى (برناديت حديب) تدخل بكامل أناقتها وحسنها إلى البيت يرافقها زوجها فريد (طلال الجردي) العائد من المستشفى بعد صدمة أفقدته ذاكرته.
بغنج وتصنّع تقول ليلى لفريد: "وينك؟ ما تضلّك واقف عالباب". يدخل فريد بمعطفه وقبعته، ويبدأ يتفاعل مع محتويات البيت كغريب. فيما تحاول ليلى إرشاد ذاكرته المغلقة على ما كان قبل صدمته. انطلاقاً من هذه المواجهة تبدأ لعبة باطنيّة، حذقة، بين زوجين، من تساؤلاتهما الخبيثة، يبدآن بتحريك تفل الماضي، والزوجة بناء لطلبه تسلسل له أخطاءه وعوراته وهو يتظاهر بالذهول أمام ما تحمّلته منه. المغامرة في الماضي، لها حدودها. تأخذ من مؤلّفاته البوليسية، القصّة الأخيرة التي كتبها، وتعزوها إلى حياتهما. المرأة الجميلة، الجذّابة، يبدأ الشك يشغل فكرها في قراءتها ما يكتبه هذا الروائي، زوجها.
الأسئلة تنهال عليها والأجوبة لا علاقة لها بالسؤال. "أما زلت تحبّينني؟"، مراّت طرح عليها هذا السؤال فيما كانت توارب في الإجابة. بل تقول له: "أتتذكّر أن هذه اللوحات أنت راسمها؟" يتظاهر بالدهشة: يعني أنا رجل مذهل، فيلسوف، وروائي ورسّام؟" ويتمادى في السؤال: "ليلى قولي لي أي نوع من الأزواج كنت؟ هل كنت مخلصاً"؟ تجيب الزوجة الذكيّة، الخبيثة: "كنت مخلصاً لذاتك". تبدأ تسرد له الإهداءات التي قدّمها لنفسه في كل إصدار له. فيما تتلقى أنانيته، إعصاراً لامرأة على خطّ الأربعين.
صراع جوّاني، مرطّب بالإغراء، حيث تسعى ليلى لاستمالة زوجها برقصة شهوانية على نغم من الجاز حتى إذا انحنى على ركبتيه أمامها، كان الثأر سلاحها، دغدغته ككلب ثم هربت منه. مشاهد قاسية، ساديّة، غامضة، فازت "الجنيّة" برناديت حديب، في جعل الجحيم الزوجية، مسرحاً في قلب مسرح. إلى أن يغدو الدور الهم في قبضة الزوج. طلال الجردي البارع في دوزنة الشخصيّة التي يجسّدها، تماهى في الزوج الفاقد ذاكرته فجرّ ليلى للبوح بالجريمة التي اقترفتها في حقّه.
"استغفلتك من الخلف وضربت رأسك بالإناء، لظني أنك تخونني".
كشف القناع عن كذبته واقرّ بأنه لم يفقد ذاكرته، بهدف نبش خفايا زوجة تتعاطى الكحول منذ زمن واصبحت من مخيّلتها ترسم الشخصية التي تريدها عنه وعنها.
"بتقتل" عنوان هجين، لم يكن على قدر ليريكية العنوان الفرنسي، "جرائم زوجية صغيرة"، ولم يوح بما في هذا العمل المشغول بدقة وحذاقة من غرائب. غير أننا حضرنا العرض واستمتعنا بمسرح شيّق وشقي، تليق به صفة المسرح، مع هذا الثنائي اللامع طلال الجردي وبرناديت حديب. القصة المبنية على الحب منذ البداية، شاءت أن يظلّ الحب متوّجاً نهايتها. الحبيبان، الغريمان عادا والتقيا بالعناق.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم