السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

إلى أين تمضي العلاقة الجديدة الملتبسة بين "حزب الله" و"القوات اللبنانية" ؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
إلى أين تمضي العلاقة الجديدة الملتبسة بين "حزب الله" و"القوات اللبنانية" ؟
إلى أين تمضي العلاقة الجديدة الملتبسة بين "حزب الله" و"القوات اللبنانية" ؟
A+ A-

عام 1991، أي بعد بضعة اشهر على انطواء صفحة الاحتراب الاهلي في لبنان وانطلاق عهد جمهورية الطائف، ذهب ثلاثة من الكوادر الاعلامية المرموقة في "حزب الله" بمبادرة ذاتية الى ما كان يعرف يومذاك بـ"المنطقة الشرقية" وقابلوا مجموعة من المسؤولين في الجهاز الاعلامي لـ"القوات اللبنانية". وفور عودتهم الى الضاحية الجنوبية، ولحظة دخولهم الى مكاتبهم، فوجئوا بقرارات فصلهم من الحزب جاهزة عقاباً تنظيمياً على مبادرتهم تلك.


والمفارقة ان احد هؤلاء الثلاثة عاد لاحقاً الى صفوف الحزب وصار عضواً في المجلس السياسي ومن أنشط الاعضاء فيه، وصار ايضاً عضواً في اللجنة الحزبية المكلفة متابعة العلاقة وتنسيقها مع المرجعيات والاحزاب والقوى المسيحية.
في ذلك الزمن الغابر البعيد، كان التواصل مع "القوات اللبنانية" تحت اي عنوان من العناوين، ولو من باب التعارف، يدخل في باب المحرمات في شرع الحزب ونهجه، فثمة نظرة ارتياب عميقة داخل الحزب لهذا التنظيم تاريخاً وحاضراً تدرجه في خانة الاعداء.
بعد نحو ربع قرن صار الامر مختلفا، اذ بدّل تحوّل الوقائع وموازين القوى والرؤى المشاهد النمطية الثابتة. فما كان محرماً في شرع الحزب ذات حقبة أصبح غير مكروه، او بمعنى شرعي اكثر دقة يدخل في باب المستحبات، ولم تعد الابواب موصدة بين الطرفين على غرار ما كان، بل انفتحت هذه الابواب على مصاريعها لتؤسس لتفاهمات مفتوحة على أفق التطوير. وما بلغته الامور راهناً ينطبق عليه، وفق وصف بعض المولجين متابعة مسار هذه العلاقة وضبطها، مقام التساكن والتجاور مع ما ينطوي عليه ذلك من "حقوق" الجيرة ومستلزماتها الاخلاقية والشرعية.
و"بالتقريش" السياسي البراغماتي، فان تفاهم الطرفين تم بلغة "التخاطر" على ارساء مداميك علاقة تقوم على منظومة اعتبارات يأخذها الطرفان في الاعتبار وتقوم على الخطوط العريضة الآتية:
- وقف تدريجي للسجال الاعلامي – السياسي بين الطرفين بعدما اوشك ان يصير في مرحلة من المراحل مادة يومية، لا سيما بعدما تنكّب رئيس حزب "القوات" سمير جعجع مهمة التصدي لخطب سيد الحزب السيد حسن نصرالله وما تنطوي عليه من مواقف حتى قبل ان يبادر زعيم "التيار الازرق" الرئيس سعد الحريري الى اطلاق رده.
- اما اذا اقتضى واقع الحال اظهار التعارض السياسي، فيتعين ألا يتعدى حدود النقاش السياسي المألوف ولا يصل حدود العودة الى زمن ولى، اي الافصاح عن عداوة والمجاهرة بقطيعة.
- التنسيق بين الطرفين يكون محصورا في اطر مجلس الوزراء واللجان النيابية ومجلس النواب، اي انه لم يتم حتى الساعة تأليف لجان تنسيق لتطوير العلاقة وتنسيقها، ولم تصل الامور أيضاً مرتبة الحديث عن لقاءات بين قيادات من الطرفين من خارج الاطر المذكورة.
بعض الاوساط ذات الصلة بالطرفين تتحدث عن رغبة أعلى منسوباً لدى "القوات" لتطوير هذه العلاقة ومأسستها، وهو ما عبّرت عنه الزيارة المفاجئة وغير المسبوقة التي قام بها احد وزراء حزب "القوات" الى السفارة الايرانية للتعزية بالرئيس الايراني سابقاً هاشمي رفسنجاني. لكن الصدود يأتي من جانب الحزب الذي قرر ان يحسب مسار هذه العلاقة حاضرا ومستقبلا بحساب ميزان الذهب وله فلسفته الخاصة بها.
ما من شك في ان "تفاهم معراب" وانفتاح ابواب العلاقة بين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات" وانهيار الجدران التي فصلت بينهما مدى اكثر من عقدين، مهدت الطريق بهذا المستوى بين "القوات" و"حزب الله". فقبل ذلك لم يكن مدرجا في حسابات الحزب الداخلية اي انفتاح عملي يغير الصورة النمطية، ولذا فان ما حدث في معراب ذات يوم شكّل السبب والمبرر الذي كان الحزب يحتاج اليه لطي صفحة العداء والقطيعة التاريخية مع "القوات" ومعبرا للولوج الى مرحلة جديدة.
الحزب قرأ في طيات "تفاهم معراب" وقرار "القوات" ترشيح العماد عون للرئاسة الاولى رسالة غير مباشرة تعيّن عليه ان يتلقفها بهدوئه المعتاد. حينها، وحينها فقط، كان بامكان الحزب ان يفاتح قواعده ونخبه بأمر اخراج علاقته بـ "القوات" الى مراحل اخرى، او يخرجها من باب المحرمات الى باب المباح المستحب. واعتمد الحزب ضمناً على عامل الزمن ليضع على الرف شبهة تعامل "القوات" مع اسرائيل ذات حقبة، خصوصا ان "القوات" نالت سابقا "صك برءاة" من السنّة ممثلين بقوتهم الابرز اي "تيار المستقبل"، لا سيما ان هذا التيار فتح ابواب المرجعيات السنية السياسية والروحية امام جعجع يدخلها في رابعة النهار، فضلاً عن ان "القوات" وجعجع بالذات نال ايضا نصف عفو شيعي تمثل بدعم رئيس مجلس النواب للعفو الخاص الصادر عن المجلس والذي اخرج جعجع من سجنه في اليرزة عام 2005.
ومواكبة لهذه التطورات دخلت "القوات" الى المعاقل السياسية الرسمية عبر نائبين ووزير بعد انتخابات عام 2005، ثم عبر كتلة من 8 نواب واكثر من وزير بعيد انتخابات عام 2009.
وبناء على تلك التطورات المتتالية والتحولات المتتابعة اسقط الحزب من وسطه الخاص وبسلاسة الموانع النفسية المعترضة على علاقة يمكن ان تنفتح مع "القوات"، فضلا عن اضطراره الى الدخول بعد عام 2005 مباشرة في عمق اللعبة السياسية، ما اقتضى منه تدريجا اسقاط آخر جدران القطيعة مع "القوات"، وبالتالي انتفت الاسباب التي أملت على الحزب عام 1991 ان يفصل ثلاثة من كوادره اجتهدوا من ذواتهم لينفتحوا على الآخر ويتعرفوا إليه عن قرب. فيومها كان الحزب ما برح في حال خروج تام من اللعبة السياسية التقليدية ولم يكن قد قرر الدخول الى مجلس النواب، وهو الامر الذي استهلك كثيرا من الوقت والنقاش، ولم يكن مكرها على التفكير في شرعية العلاقة لا مع "القوات" ولا مع سواها. اما الان فالصورة مغايرة تماما وثمة واقع جديد متحول، فضلا عن مرور ربع قرن على انطواء صفحة الاحتراب الاهلي واندثار شعارات تلك المرحلة السوداء.
ان العلاقة بين هذين الطرفين، وإن بمستواها الحالي العادي جدا، هي اذاً نتاج مخاض فكري - سياسي عميق لدى الحزب حتمت عليه بالدرجة الاولى خفض منسوب خطابه العدائي الى اقصى الحدود مع الجميع، وابداء الاستعداد للانفتاح على من يرغب، وهي ايضا نتاج حسابات مختلفة من حزب "القوات"، الفريق الذي يبذل قصاراه لتبديل الصورة النمطية التي كوّنها عن نفسه طوال نحو اربعة عقود.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم