الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لا سبيل لتجنّب الأزمات عند كل استحقاق إلّا بالعودة إلى الدستور نصّاً وروحاً

اميل خوري
A+ A-

يُجمع رجال القانون على القول إن العودة الى أحكام الدستور نصاً وروحاً هي السبيل الى تجنيب لبنان أزمات إجراء انتخاب رئيس للجمهورية وانتخابات نيابيّة وتأليف حكومة يستغرق تشكيلها غالباً أشهراً عدّة فتعيش البلاد خلالها على حكومة تصريف أعمال، حتى إذا لم تكن متجانسة ومنسجمة تعطّلت الأعمال في كل المؤسّسات.


إن الدستور لا يقول بالوفاق ولا بالتوافق عند انتخاب رئيس للجمهورية، بل يقول بالاقتراع السرّي وبغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المُطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز اعادة انتخابه إلّا بعد ست سنوات على انتهاء ولايته، ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً الشروط التي تؤهّله للنيابة وغير المانعة لأهليّة الترشّح (المادة 49). لكن هذه المادة لم تحترم فصار التجديد غير مرّة لرؤساء جمهورية، ولا اعتُمد الاقتراع السرّي احياناً بل حلّت محلّه بدعة الوفاق والتوافق، حتى إذا لم يتحقّق ذلك كان الشغور الرئاسي كما حصل أخيراً. ولحظ الدستور في حال حصول هذا الشغور نصاً جاء فيه: "إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو بسبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون. وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً، تُدعى الهيئات الانتخابية بدون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية" (المادة 74). ولحظ أيضاً المادة 75 ونصها: "إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة تشريعية ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة بدون مناقشة أو أي عمل آخر". لكن عدداً من النواب لم يتقيّدوا بنصوص هاتين المادتين اللتين تعطيان الأولويّة لانتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر، فتغيّبوا عن جلسات انتخابه من دون عذر مشروع بهدف تعطيل نصابها والحؤول دون انتخاب الرئيس، مانحين أنفسهم هذا الحق ومن دون أن تحسم المراجع المختصة الخلاف على ذلك. فلو أن المشترع خطر في باله احتمال حصول ذلك لكان لحظ نصاً في الدستور يلزم النائب حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية كي لا يتحول تغيّبه بدون عذر مشروع سلاحاً يلجأ إليه كل حزب أو طائفة أو خارج لإحداث شغور رئاسي يدوم إلى أجل غير معروف، أو إلى حين يصير توافق على المرشح المقبول من الجميع. وقد خالف نواب أحكام الدستور عندما أقرّوا مشاريع قوانين باعتبارها ضرورية.
ولم تحترم أحكام الدستور أيضاً في تأليف الحكومات مع أنها واضحة وصريحة. فالمادة 53 تنص: "يسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية مُلزمة يطلعه رسمياً على نتائجها ويصدر مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً، ويصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم". لكن قوى سياسية ونيابية راحت تتولّى هي تسمية الوزراء الذين يمثلونها في الحكومة وكذلك الحقائب تحت طائلة التهديد بعدم المشاركة في الحكومة بغية جعلها غير ميثاقية خصوصاً وقد فقدت أكثر من طائفة التعددية داخلها، وصار القرار حكراً لمن يتزعمها، ما جعل تأليف كل حكومة يواجه أزمات وتعقيدات يتطلب حلها أشهراً، وتحوّل رئيس الحكومة المكلّف إلى ساعي بريد... في حين أن الدستور منحه صلاحية تأليف الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، ولم يمنح النواب سوى حق منح الثقة أو حجبها عن الحكومة. أما في موضوع إجراء الانتخابات النيابية على اساس قانون يتفق عليه، فإن الدستور لم يلحظ نصاً لهذه الحالة، إنّما لحظ نصاً يشمل كل القوانين التي في حال عدم التوصل الى اتفاق في شأنها لا في مجلس الوزراء ولا في اللجان، فإن الأكثرية النيابية المطلوبة هي التي تحسم كي لا تظل "بدعة التوافق" هي التي تعتمد مهما طال الوقت، كما هو حاصل حالياً في قانون الانتخاب، وهو خلاف يؤدّي استمراره الى تعطيل اجراء انتخابات نيابية في موعدها وتعريض البلاد تالياً لفراغ تشريعي.
لذلك ينبغي العودة إلى أحكام الدستور لتجنيب البلاد الأزمات عند كل استحقاق لأن اعتماد سياسة "التوافق" خلافاً للدستور ليس معتمداً في أي دستور في أي دولة، بل تعتمد الأكثرية المطلوبة لحسم كل خلاف.
إن المطالبة بتحقيق "الشراكة الوطنية" هي التي أوجدت بدعة سياسة التوافق التي لم تكن سوى للمشاكسة والتعطيل والفراغ، لذلك يجب الاقلاع عنها واعتماد الآليات التي نص علها الدستور وعدم ابتداع آليات جديدة تثير الخلاف. فسرُّ عظمة كل دولة ومهابتها يكمن في احترامها لدستورها، كما جاء في مقال في "النهار" لنقيب المحامين انطونيو الهاشم. فلنعد إذاً الى الدستور لينتظم عمل المؤسسات ونضمن استمرارية عمل السلطات.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم