الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

لا استفتاء ولا فراغ

علي حماده
لا استفتاء ولا فراغ
لا استفتاء ولا فراغ
A+ A-

شكل طرح رئيس الجمهورية ميشال عون الاستفتاء، الخطوة التصعيدية الثانية بعد طرحه احتمال الفراغ في مقابل رفضه قانون الستين، في مواجهة مواقف النائب وليد جنبلاط المتمسك بالقانون القديم، وبنمطية جديدة من التعامل على مستوى الحكم بين رئيس الجمهورية وقيادات البلد الاساسية. وإذا كان طرح عون الاستفتاء حول موضوع النسبية في قانون الانتخاب لاقى تأييدا من جمهوره، فإنه يبقى طرحا يتيما يستحيل على الرئيس الذهاب به الى النهاية محاولا فرضه على القوى السياسية الكبرى في البلاد، لأنه يطرح أكثر من إشكالية في آن معا:


أولا- الاستفتاء غير وارد في الدستور كإحدى أدوات الحكم والسلطة، ولا يملك رئيس الجمهورية حقا منصوصا عليه في الدستور يخوله تنظيم استفتاء، او حتى طرحه في الاعلام من دون التشاور مع اركان البلد.
ثانيا- ثمة اشكالية في اسلوب ممارسة الرئيس الحكم، فلبنان ليس نظاما رئاسيا يمكن الرئيس فيه أن يتجاوز الحكومة ومجلس النواب، ولولا حرص الرئيس سعد الحريري على الحفاظ على علاقة متينة مع رئيس الجمهورية والحؤول دون اهتزاز الحكم، لكان طرح الموضوع من زاوية الصلاحيات التي يشعر البعض بأن عون بدأ يلامس فيها حدود المقبول، كالحديث عن فراغ على مستوى مجلس النواب.
ثالثا- لو سلمنا جدلا بإجراء استفتاء، فنتائجه غير ملزمة أولا، وإجراؤه يفتح باب التعدي على التوازنات الطائفية من باب فرض رأي أكثرية عددية على أقلية، او تهميش رأي طوائف بالكامل على قاعدة الاكثرية العددية. على هذا الاساس فإن من يفتح باب الاستفتاء على قاعدة العدد، يطيح في شكل أو آخر مبدأ التوازن عبر مبدأ المناصفة التي تجاهلت إشكالية الخلل الديموغرافي الكبير.
رابعا- إن الاستفتاء يمثل تجاوزا لمجلس النواب، الذي يبقى رغم رأي عون الخاص، شرعيا ومصدر السلطات وسيد نفسه. وعون يجازف بمواجهة ليس فقط مع جنبلاط بل مع قوى اخرى في البلاد مثل الرئيس نبيه بري وربما الرئيس سعد الحريري.
بناء على ما تقدم، لا يمكن طرح الاستفتاء ان يعمر كثيرا، والافضل للبلاد وللعهد أن يخفف الطروحات التصادمية لان اي خلاف كبير سيرتد سلبا على العهد والتسوية التي بموجبها جرى انتخاب عون رئيسا. أما طرح الفراغ فإنه سابق لاوانه، وهناك متسع من الوقت أمام الحكومة والقوى السياسية للتوصل الى توافق حول قانون جديد للانتخاب، قبل نهاية الولاية في العشرين من حزيران المقبل. ولو سلمنا جدلا باستمرار المأزق الى حينه، فإن مجلس النواب سيكون مدعوا الى الاجتماع والتمديد لنفسه مرة جديدة، ليس حبا بالتمديد بل كرها بالفراغ الذي يشرع الباب امام ازمة وطنية كبرى تتجاوز قانون الانتخاب نفسه. إذا مطلوب من رئيس الجمهورية ان يقوم بمبادرة ايجابية، لا ان يلجأ الى توزيع المواقف اليومية التي يُستشف منها تصعيد ما. وللتذكير، فإننا في الحادي والثلاثين من تشرين الاول الفائت انتخبنا رئيسا للجمهورية لا ملكا على لبنان. والرئيس في المعادلة اللبنانية، بصرف النظر عن الاوصاف الدستورية، يبقى احد الرؤساء اللبنانيين الخمسة او الستة، ويتقدم عليهم بروتوكوليا ليس أكثر! هذا لبنان.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم