الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

التقرير الفصلي لبنك عودة: "من أجل انتهاز فرصة ذهبية لتحقيق نهوض ماكرو اقتصادي"

التقرير الفصلي لبنك عودة: "من أجل انتهاز فرصة ذهبية لتحقيق نهوض ماكرو اقتصادي"
التقرير الفصلي لبنك عودة: "من أجل انتهاز فرصة ذهبية لتحقيق نهوض ماكرو اقتصادي"
A+ A-

في العام 2016، لم يخرج الاقتصاد اللبناني من دوامة التباطؤ الذي اتسم به أداؤه طوال منتصف العقد المنصرم. وعلى الرغم من النمو المستمر في حركة الاستهلاك الخاص، إلا أن هذا التباطؤ الاقتصادي ارتبط بشكل أساسي بمكوّن الاستثمار الخاص الواهن في ظل حالة من الترقب والتريث في أوساط المستثمرين ساهمت بتأجيل القرارات الاستثمارية الكبرى في البلاد. في هذا السياق، سجلت نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي مستوىً متدنياً ناهز 23٪ في العام 2016، وذلك بانخفاض تدريجي من نسبة 31٪ في العام 2010 قبيل الاضطرابات الإقليمية. وكانعكاس للنمو القوي في الاستهلاك الخاص والذي قابله تراجعاً في حركة الاستثمار الخاص، يظهر تحليل الواردات الإجمالية والتي تمثل نسبة 36٪ من الناتج المحلي الإجمالي أن واردات السلع الاستهلاكية غير النفطية قد ارتفعت بنسبة 5.2% في العام 2016، في مقابل مراوحة في واردات السلع الاستثمارية خلال الفترة نفسها.


هذا ومع نمو الاقتصاد اللبناني بوتيرة أعلى من تلك المحققة في العامين المنصرمين، فإن المؤشر الاقتصادي العام، الصادر عن مصرف لبنان لشهر تشرين الثاني من العام 2016، قد سجل متوسطاً قدره 289.0 خلال الأشهر الإحدى عشر الأولى من العام وذلك بنمو نسبته 4.5٪ بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2015. يجدر الذكر أن متوسط المؤشر الاقتصادي العام كان قد نما بنسبة 3.2٪ في العام 2014 وبنسبة 2.0٪ في العام 2015. في هذا السياق، توقع مصرف لبنان نمواً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2٪ في العام 2016، وهو على غرار توقعاتنا الخاصة ويتماشى نوعاً ما مع متوسط النمو المسجل خلال السنوات الخمس الماضية، وإن أعلى من النمو الطفيف في العام 2015. هذا وفي حين سُجل بعض التحسن في الطلب الإجمالي على السلع والخدمات في العام 2016، إلا أن الاقتصاد اللبناني لا يزال في دوامة الوهن، مع نسبة نمو أقل بكثير من تلك المسجلة في سنوات الفورة الاقتصادية الممتدة بين عامي 2007 و2010، حين سجل الاقتصاد الوطني متوسط نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 9٪.
إن تحليل معظم مؤشرات القطاع الحقيقي يشير إلى أنها كانت إلى حدّ ما في منحى الارتفاع في العام 2016. فمن بين أحد عشر مؤشراً للقطاع الحقيقي، هناك ثماني مؤشرات سجلت نمواً إيجابياً وثلاثة سجلت انخفاضاً صافياً في العام الماضي. من بين المؤشرات التي سجلت نمواً إيجابياً نذكر عدد السياح (+11.2%)، تسليمات الاسمنت (+7.7%)، حجم البضائع في مرفأ بيروت (+6.3%)، المسافرين عبر المطار (+5.5%)، قيمة المبيعات العقارية (+4.9٪)، إنتاج الكهرباء (+4.5%)، الواردات (+3.5%) والصادرات (+0.8%). ومن بين المؤشرات التي سجلت انخفاضاً صافياً، نذكر مبيعات السيارات الجديدة (-7.7%)، قيمة الشيكات المتقاصة (-2.2%) ومساحات رخص البناء الممنوحة حديثاً (-0.9%).
من ناحية أخرى، شهد العام 2016 تردياً في أوضاع المالية العامة، إنما بالترافق مع تحسن في الأوضاع النقدية. فقد سجل أداء المالية العامة في لبنان تردياً صافياً في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2016، مع نمو في العجز المالي العام بنسبة 27٪ على أساس سنوي، مدفوعاً بنمو أسرع في الإنفاق العام (9.5٪) نسبةً إلى نمو الإيرادات العامة (4.1٪). أما على المستوى النقدي، أجرى مصرف لبنان بالتنسيق الوثيق مع المصارف اللبنانية، هندسات مالية مبتكرة ساهمت في تعزيز موجودات لبنان الخارجية ودعم الميزانيات العمومية للمصارف العاملة. وقد ناهزت قيمة عمليات التبادل بين مصرف لبنان ووزارة المالية وبين مصرف لبنان والمصارف التجارية حوالي 15 مليار دولار، ما رفع الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان إلى مستوى قياسي فاق الـ40 مليار دولار.
عليه، سجل القطاع الخارجي تحسناً ملحوظاً في النشاط جراء النمو المهم في التدفقات المالية بنسبة 44% خلال العام 2016، ما ولّد فائضاً في ميزان المدفوعات بمقدار 1.2 مليار دولار، عقب عجز لافت في العام السابق. وفي حين استُهل العام مع عجز لافت في ميزان المدفوعات في الأشهر الأولى منه، إلا أن عمليات الهندسات المالية من قبل مصرف لبنان شكلت الدافع الأساس لجذب تدفقات مالية ملحوظة في النصف الثاني من العام، مما أدّى إلى ارتفاع في صافي الموجودات الخارجية للقطاع المالي بشكل عام.
في ظل هذا المناخ، فإن القطاع المصرفي الذي استفاد من النمو الملحوظ في التدفقات المالية تجاه لبنان، قد سجل نمواً في الموجودات المجمعة بقيمة 18.3 مليار دولار خلال العام 2016، أي ضعف النمو المسجل تقريباً في الفترة المماثلة من العام السابق، والمدفوع بشكل رئيسي بنمو الودائع المصرفية بقيمة 10.9 مليار دولار والتعزيز الملحوظ في الأموال الخاصة. وفي ما يتعلق بتوزع الودائع بحسب العملات، فقد نمت الودائع بالعملات الأجنبية بقيمة 8.6 مليار دولار، في حين زادت الودائع بالليرة اللبنانية بقيمة 2.3 مليار دولار، ما أدى إلى ارتفاع نسبة دولرة الودائع إلى 65.8% في كانون الأول 2016. يجدر الذكر أن العام 2016 كان مربحاً بالنسبة للمصارف اللبنانية، ما عكس منحى المراوحة السائد على صعيد الربحية ومنحى تقلّص نسب المردودية على مدى السنوات القليلة الماضية.
وعلى صعيد أسواق الرساميل في لبنان، سُجل تحسن نسبي في النشاط لاسيما في الفصل الأخير من العام. إذ سجلت أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت ارتفاعاً بنسبة 2.1% في العام 2016، مع ارتفاع في حجم التداول من 498 مليون دولار في العام 2015 إلى 885 مليون دولار في العام 2016، أي بنمو نسبته 77.8%، ما ولّد نمواً في نسبة قيمة التداول السنوية إلى الرسملة البورصية من 4.7% إلى 8.1%. في موازاة ذلك، توسعت هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية في لبنان من فئة خمس سنوات بمقدار 57 نقطة أساس لتصل إلى 478 نقطة أساس في نهاية كانون الأول 2016، رغم تقلصها في الفصل الرابع من العام.


تحسن نسبي في الآفاق الماكرو اقتصادية
عقب التباطؤ الاقتصادي الصافي على مدى السنوات القليلة الماضية جراء الاضطرابات الإقليمية والتجاذبات السياسية المحلية، من المتوقع أن يتحسن أداء الاقتصاد اللبناني على أساس التسوية السياسية المحلية في لبنان التي ترسخت خلال الفصل الأخير من العام 2016 والتي أفضت إلى انتخابات رئاسية ناجحة بدعم إقليمي ودولي وإلى تشكيل حكومة وحدة وطنية. هذا وبغض النظر عن أي عقبات قد تنشأ، لا شك في أن التسوية السياسية المحلية قد أدّت إلى تحسن جذري في بنية المخاطر للبلاد وعززت الفرص الاقتصادية السانحة في الأفق.
إن توقعاتنا الماكرو اقتصادية للعام 2017 عقب الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة وإن مع غياب مستمر لأي تسوية إقليمية، تتمحور حول نمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4٪ في لبنان، أي أكثر من ضعف النمو المسجّل على مدى السنوات الست الماضية والبالغ 1.8%.
إن تحسن النمو الاقتصادي قد يكون مدفوعاً بشكل رئيسي بحركة الاستثمار الخاص التي شهدت حالة من الترقب على مدى السنوات القليلة الماضية، والتي كانت قد أدت إلى انخفاض تدريجي في معدل تكوين رأس المال إلى 23٪ في العام الماضي. إن توقعاتنا للعام 2017 تفترض نمواً في الاستثمار الخاص بنسبة 15% مدفوعاً بتحسن في بنية المخاطر السياسية للبلاد، والتي من شأنها رفع معدل تكوين رأس المال في لبنان إلى 25٪ بحيث أن اللبنانيين قد يتخذون المزيد من المبادرات الاستثمارية التي كانت قد تأجلت خلال السنوات القليلة الماضية.
وتحسن مناخ الاستثمار قد يترافق مع نمو لافت في حركة الاستهلاك الخاص والمدفوع بنمط استهلاكي أفضل من جانب اللبنانيين المقيمين، وبتوافد متزايد للبنانيين غير المقيمين، إضافةً إلى تحسن تدريجي مرتقب في الموسم السياحي بشكل عام، خصوصاً في ضوء تحسن العلاقات السياسية بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي عقب الانتخابات الرئاسية. على هذا النحو، فإن الاستهلاك الخاص قد ينمو بنسبة 7٪ سنوياً بالقيم الاسمية ليستحوذ على الجزء الأكبر من تكوين الناتج المحلي الإجمالي.
كما وإن النمو الاقتصادي المتوقع قد يكون مدفوعاً بنمو الإنفاق الحكومي، وخاصةً في مكونه الإنفاق الاستثماري. إذ من المتوقع أن ينمو الاستثمار العام بنسبة تقارب 30٪ انطلاقاً من قاعدة منخفضة في العام 2016 ليمثل زهاء 2.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يشكل تقريباً نصف ما تشهده الأسواق الناشئة. وفي جانب الإيرادات العامة، من المقدر أن يساهم التحسن في الظروف الماكرو اقتصادية في نمو الإيرادات العامة بنسبة 9٪ في العام 2017، وفي رفع تعبئة الموارد وانخفاض طفيف في العجز المالي العام إلى 4 مليارات دولار، أي ما يعادل نسبة 7.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
على الصعيد الخارجي، فإن التحسن القائم في الأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان قد يولّد زيادة في التدفقات المالية بنسبة 18% في العام 2017، وذلك عقب نمو ملحوظ يتجاوز العشرة في المئة في العام 2016 والمدفوع بعمليات الهندسات المالية من قبل مصرف لبنان. وبالتالي من المتوقع أن يُسجل ميزان المدفوعات فائضاً صافياً للسنة الثانية على التوالي عقب العجوزات التراكمية المسجلة خلال السنوات الممتدة بين 2010 و2015.
في موازاة ذلك، نتوقع نمواً في الكتلة النقدية بنسبة 7٪ خلال العام الجاري، مدفوعاً بكل من خلق نقد محلي وتغيّر إيجابي في صافي الموجودات الخارجية. عليه، من المرجح أن يسفر هذا النمو المعتدل في الكتلة النقدية عن نمو في الودائع المصرفية بما يقارب من 10 مليارات دولار في العام 2017 (أي أكثر بنسبة 15% من متوسط السنوات الثلاث الماضية)، ليتجاوز إجمالي ودائع القطاع المصرفي عتبة الـ170 مليار دولار. أما على صعيد الاستعمالات، فمن المرجح أن تكون حركة التسليفات المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص أفضل خلال العام الجاري لاسيما في ظل تزايد الاحتياجات التمويلية في اقتصاد ينمو بوتيرة أسرع. عليه، نتوقع نمواً في التسليفات المصرفية بحوالي 4 مليارات دولارات (أي أكثر بنسبة 25% من متوسط السنوات الثلاث الماضية)، مدفوعاً بتنامي فرص الإقراض لتمويل مشاريع جديدة واستثمارات الشركات ورأس المال العامل.
في حين أن تحقيق مثل هذا السيناريو يمكن أن يكون عرضة لبعض المخاطر الكامنة، إلا أننا نعتقد أن هذه المخاطر قد تقلّصت مؤخراً وأن الفرص الماكرو اقتصادية تتجاوز التهديدات المحتملة في الأفق المنظور، مما قد يمهد الطريق لتجسيدٍ محتمل لتوقعاتنا المذكورة سابقاً. يجدر الذكر أنه في حال حدوث انفراج سياسي في المنطقة عبر تسوية إقليمية ما، فإن هذه النسب المذكورة ستكون عرضة للاتساع وفقاً لذلك، وإن نعتقد بأن احتمال حصول هكذا تسوية لا يزال غير مرجح في المدى القريب.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم