الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لماذا أخفقت محاولات توحيد البعث السوري في لبنان، وماذا بعد؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
لماذا أخفقت محاولات توحيد البعث السوري في لبنان، وماذا بعد؟
لماذا أخفقت محاولات توحيد البعث السوري في لبنان، وماذا بعد؟
A+ A-

منيت أمس آخر محاولة بُذلت لتوحيد الأجنحة الثلاثة لحزب البعث السوري بخيبة كبرى. وبدلاً من إعادة لملمة شتات هذا الحزب تحت مظلة قيادة قطرية موحدة وتزخيم نشاطه، انقسمت الجهة التي كلفت نفسها مهمة توجيه الدعوات الى مؤتمر عام، وهي القيادة التي يرأسها النائب والبعثي المخضرم عاصم قانصوه الى جناحين في ظل انتشار معلومات عن تنامي توجه جدي لدى قانصوه نفسه للتنحي والاستقالة فتحاً للباب أمام فرصة جديدة وربما أخيرة لطي صفحات الانقسام والانشقاق التي أنهكت جسد الحزب ووضعته في مهب الريح.


معلوم أن نواة ظاهرة التفتت والتشقق في هذا الحزب، الذي يتعين أنه فرع من حزب قومي يحكم #سوريا وينتشر في عدد من الاقطار العربية، بدأت بالظهور تدريجاً منذ نحو عامين إذ حدث اولاً نوع من الانقلاب والتمرد على القيادة القطرية للحزب التي كان يرأسها في ذلك الحين الوزير السابق فايز شكر، وقد كان في مقدم المتمردين النائب قانصوه الذي بادر الى تسمية قيادة قطرية جديدة وتولى هو أمانتها العامة تحت زعم أنه نال تأييد ومباركة القيادة القومية في دمشق. وعلى الإثر ردّ شكر ومن والاه على التحدي بمثله فنظم مؤتمراً قطرياً تخلى هو فيه عن القيادة وسمى بدلاً منه الرمز القيادي التاريخي المعروف في الحزب سهيل القصار أميناً قطرياً، وبدأ يمارس مهماته من مبنى القيادة القطرية التاريخي في رأس النبع. وهو واقع اعترض عليه عدد من رموز الحزب فبادروا الى عقد مؤتمر قطري وسموا قيادة قطرية ثالثة تولى أمانتها العامة شخص ليس من الرعيل المعروف وهو نعمان شلق ومعه بعض الرموز المعروفة.


وقد استقر الوضع على هذه الصورة فترة لا بأس بها خصوصاً في ضوء تجاهل قيادة الحزب المركزية القومية لهذا التشلع، مما زاد في عدد الرموز الحزبية المعتكفة احتجاجاً وقرفاً ومنهم القيادي التاريخي المعروف الدكتور عبدالله الشهال من طرابلس.


كما أن هذه الصورة الانقسامية التشرذمية أوشكت أن تضيع وتبدد آخر ما تبقى من هذا الحزب التاريخي الذي بدأ انتشاره في الساحة اللبنانية منذ مطلع عقد الاربعينات من القرن الماضي، وقد غزا آنذاك أوساط الجامعيين والنخب المثقفة والجامعية فانتمت اليه لا سيما في نهاية الخمسينيات وبداية الستينات شريحة لا يستهان بها من المثقفين والأكاديميين ومنهم على سبيل المثال الكاتب الذي رحل منذ أيام رغيد الصلح وقبله أستاذ الاقتصاد في الجامعة الاميركية بشير الداعوق والوزير السابق بشارة مرهج والناشط القومي المعروف معن بشور والوزير والنائب الراحل علي الخليل والدكتور علي جابر والصحافي المعروف غسان شرارة وسفير العراق السابق جان كرم، فيما كان بإمكان الحزب ان يحسب عشرات المثقفين كمقربين منه ومنهم المفكر الراحل منح الصلح والنائب الراحل حمد الصمد.


وقبيل فترة، ألّف بعض البعثيين الحرصاء على إعادة لم شمل هذا الاطار السياسي التاريخي، وفي مقدمهم الناشطان البارزان واصف شرارة ورائف صوفان، لجنة هدفها الاساس العمل بدأب وجدّ لتحقيق هذه الغاية وإزالة الانقسام نهائياً. وقد عملت اللجنة في اتجاهين متوازيين، الاول التواصل مع جناحي القصار وشلق للوقوف على رؤيتهما للموضوع ولإقناعهما بضرورة الانخراط في الجهود التي تصب في خانة توحيد الحزب، والثاني إقناع النائب قانصوه بأن أخذ المبادرة هو لخدمة هذا الهدف انطلاقاً من اعتبارات عدة. وقد أثمرت هذه الجهود على مستويين، الاول أن جناحي القصار وشلق أبديا مرونة اكبر في الاستعداد والتجاوب مع الجهود الرامية الى التوحيد، والثاني أن قانصوه توجه الى #دمشق وبحث وللمرة الاولى مع اعلى القيادات فيها وفي مقدمهم الرئيس بشار الاسد في كيفية توحيد الحزب. وقد أعطي قانصو الإذن بذلك وكلف بالتواصل مع من يلزم في دمشق وبيروت لإنجاز هذه المهمة.
ولكن، وبحسب المعلومات التي توافرت من بعض من هم على اطلاع وثيق على ملف القضية، فإن الطريق الذي سلكه قانصوه لتحقيق غاية التوحيد لم تلق التجاوب المطلوب من الذين يفترض ان يكونوا شركاء في العملية وحتى من رموز بعثية محسوبة على قانصوه وقيادته بل بدت وكأنها عملية تحد وفرض فزادت من منسوب الفرقة والانقسام ومن وتيرة التشرذم لا سيما بعدما انكشف الموضوع إعلامياً على نطاق غير مسبوق.
وقد توج قانصوه "مبادرته التوحيدية" غير الموفقة بتوجيه دعوة لعقد مؤتمر عام للحزب في لبنان يوم أمس في بيروت. واللافت أن أياً من جناحي الحزب الآخرين (القصار وشلق) قبل الدعوة بل اعتبرا نفسيهما غير معنيين بالمؤتمر وبما يصدر عنه من قرارات فضلاً عن أن تسعة من اصل 15 يشكلون أعضاء القيادة القطرية برئاسة قانصوه قاطعوا المؤتمر.


وهكذا، وعوضاً من تحقيق غاية توحيد حزب البعث زاد الانقسام خصوصاً أن الاعضاء التسعة الذين لم يحضروا المؤتمر جمدوا نشاطهم تعبيراً عن احتجاجهم وقرفهم مما حصل ويحصل، وما آلت إليه أوضاع الحزب من انفلاش وتشرذم وانقسام.
وبحسب آخر المعلومات المتوافرة، فإن قانصوه دخل فعلياً مرحلة التفكير الجدي في التنحي والاستقالة على أن يكون ذلك مقدمة لدخول اقوى واكثر حزماً من جانب دمشق على خط فرض المصالحة وعملية التوحيد، بحيث إن الجهات المعنية في العاصمة السورية تعمل فوراً على دعوة القيادات القطرية الثلاث ومعهم الرموز المعتكفة لعقد مؤتمر في دمشق نفسها خصوصاً أن وضع الحزب برمته صار على المحك.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم