الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لأسابيع سكنَّا مع ميت في المبنى

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
لأسابيع سكنَّا مع ميت في المبنى
لأسابيع سكنَّا مع ميت في المبنى
A+ A-

في المبنى الذي أقيمُ فيه، يقطن رجل سبعيني إحدى الشقق نعلم منذ سنوات طوال أنَّه يعيش وحيداً، بعدما اختارت زوجته وأبناؤه منذ عقود الهجرة إلى #أوروبا. بقي في لبنان وكان بين فترة وأخرى يجلبُ عاملة منزلية لتهتم بشؤون المنزل. لم نرَ أحداً يزوره منذ أكثر من عشر سنوات، لم يطرق بابه أي شخص، ولم يسأل عنه أحد.


منذ 3 أسابيع لم يرَ ناطور المبنى جارنا داخلاً أو خارجاً من منزله، هو الذي يهتم بسيارته وينظفها بشكل يومي. توجَّس من الأمر، فكَّر في دخول المنزل ونحن أيضاً، ولكن لا صفة لنا ولا قربى، خاف التوجه إلى المخفر كونه غير لبناني. وفي حالات كهذه لا يمكن لأحد سوى أفراد العائلة دخول أي منزل إلا برفقة مختار المحلة وعناصر الشرطة.


حاول جاهداً التواصل مع أبنائه، إلى أن وصلت ابنته من سفرها في الساعة الأولى فجراً وتوجهت مباشرةً إلى المخفر، من ثمَّ حضرت مع الأدلة الجنائية إلى المنزل. وكونها لا تملك مفتاحاً، تمكن العناصر بصعوبة من خلع الباب والدخول. بحثت عنه لتصل إلى غرفته وتجده ممداً على سريره وقد جفَّت المياه في عينيه، وغدا جسمه "قطعة خشب". بعد كشف الطبيب الشرعي على الجثة اختارَت دفنه سريعاً فقد "دوَّد جسمه" حسب قولها". ولم تخبر والدتها بعد أنَّ شريك العمر وريَ في الثرى.


لا نعلم الكثير عن عائلة جارنا الراحل، ولا عن تفاصيل علاقاتهم البينية، كل ما يعنينا من نقل هذه القصة هو تسليط الضوء على قصة رجل عجوز رحل وحيداً بشكل مأسوي من دون أن يسأل عنه أحد.
فلم يعلم أحد برحيل جارنا العجوز سوى من سأل عن غيابه. دُفنَ بلا أية مراسم عزاء أو معزين، لم يحتشد أحد من أجله، رحل خلسةً من هذه الدنيا. لا أعرف، وأنا ابنة قرية، ما إذا ما كانت المدينة تظلم ساكنيها، حتماً الحال مختلفٌ في القرى. فالحزن الذي يطرق باب عائلة واحدة يطال القرية بكاملها، فيتجمَّع أبناؤها يوم الوداع لتكريم فقيدهم.


غريبة هذه الحياة، أنْ تسكن مع ميت 3 أسابيع في المبنى غير مدركٍ لذلك، لا أعرف إذا ما كان للإنسانية في المدينة تعريف خاص، يكاد لا أحد يسأل عن أحد، ولا أحد يذرف دمعةً على أحد. نقول دوماً "الله يستر آخرتنا"، يتزوج معظمنا لإنجاب الأولاد خوفاً من أن يبقى في آخر سني حياته وحيداً، إلاَّ أنَّ حال أوطاننا ظالم، بلدان تعرف جيداً كيف تُفقد أبناءها أحلامهم وآمالهم، لتجعل منهم مشتتين في أصقاع هذه الأرض لتبقى السيدة #فيروز الأدرى بسؤال "باب الدار وين الناس وأهل الدار"، ليجيبها بأنَّ "الهجر غدار، تركوا البيت طفيوا النار، وبين هالسجرات في طيرين، عم يسألو لوين هالأصحاب راحو لوين".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم