الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كميل سلامة قدّم "كلكن سوا" في "دوار الشمس"... كي لا ننسى

مي منسى
كميل سلامة قدّم "كلكن سوا" في "دوار الشمس"... كي لا ننسى
كميل سلامة قدّم "كلكن سوا" في "دوار الشمس"... كي لا ننسى
A+ A-

"الكاستنغ" جد موفّق في اللقاء اللاقط المشاهد حتى النزع الأخير، بين بديع أبو شقرا في دور رواد، ورودريغ سليمان في دور مروان. صديقان حميمان متناقضان في تسيير أمور حياتهما، "اليانغ واليين"، الحرارة المتفجّرة والبرودة المنضبطة إلى أن يلغمها الموت، فيتفجّر البركان الذي كان ساكناً ليعلو حمماً حارقة، تعبّر عما في جوف البراكين من وجع ووحدة.


منذ البداية، وشبه إيقاع كـ"التام تام" الأدغالي ينبئ بالخطر، يدخلنا كميل سلامة في لعبة التنقل بين زمنين، حاضر وماضٍ. زمنان متداخلان بحذاقة الرؤية والاختبار المعتّق في سكرة التمثيل ووعي الكتابة والإخراج. أكثر من أربعة عقود وكميل سلامة في المرآة مذ أوّل إطلالة له في مسرحية "تحت رعاية زكّور" لريمون جبارة، كما وراءها، منقّبا لا كما "أليس في بلاد العجائب" لاكتشاف عالم الخرافات بل لاختراق جدار الإنسان والغوص في مجاهله، أوهام "بسيكانالية" تغلغلت باتزان وجنون في دماغه إلى أن حان وقت "استفراغها" على الخشبة، المكان الوحيد الذي يتعرّى فيه الإنسان من قشرته ليمثّل كائناً آخر، وقد يكون هو في الحياة، عاد ليتذكّر.
"كلكن سوا"، عنوان يبقى محيّراً في البداية، لا يدلّ على ما نشاهده، ما دمنا أمام مثنّى، صديقين مختلفين في تفاعلهما مع مجريات الحياة، ولا يجد مغزاه سوى في اللحظة الأخيرة مع المشهد التراجيدي حيث يتلاقى "اليين واليانغ" أمام الموت المحتّم. لمَ الإنتظار؟ كميل سلامة فتح فوراً دفتي قصّة، لها مع الماضي جراح لم تختم بعد، فدخلنا نستعلم على هدى الحوار، من دون التيه تارة بين حزمة الضوء النائص راعي الذاكرة كصفحة من مذكرات، تارة في الواقع الآني الذي يفتح على صرير الراجمات لمامات مبهمة من أمس مضى، حيث تتوضّح شيئاً فشيئاً الرؤية بدخول باتريسيا نمّور في دور ليلى زوجة رواد. هي تارة في حزمة الضوء مع مروان متّهمةً إيّاه بتنصّله من وعده لها، وتارة خارجها، زوجة قلقة على مصير زوجها رواد في صراعه مع الموت في المستشفى. كم كنت وأنا أسنّ السمع لأتلقى بوح ليلى، أنتظر منها بما يقتضيه الدور، أن تكون تلك المرأة المفجوعة. مفجوعة مرّتين، حبها لمروان الذي سبق رواد عليها ووعدها ونكث، ليتزوّج سيلفي، إمرأة اميركية منحته باسبوراً أميركياً لا الحب الذي كان يطمح إليه، ثم زواجها من صديقه الذي أحبّها ولم يحظ منها مرّة واحدة بكلمة "أحبّك" سوى في اللحظة التي فارق فيها الحياة. "أحبّك"، الكلمة التي انتظرها طوال حياته جاءت متأخّرة. ليلى لم تبح بجراح المرأة المغدورة عالياً، محتشمة في حزنها كانت، حتى لا أقول باردة. فلهب النار الكاوي حياتها – هكذا تخيّلته - بقي مرمّدا في داخلها، بالرغم من كون هذا الدور، على قصره، أهم ما في هذه العلاقة بين الصديقين. إمرأة في دوّامة إعصار بين رجلين.
لعلّ قوّة هذا العمل المسرحي باتت في الفقرة الكاشفة كل الأسرار. عمل فرويدي بامتياز خرق به كميل سلامة دماغ الإنسان وهو في صراعه مع الموت، حيث لا يعود من حظر على الحقيقة. شبه موسيقى مأتمية أزاحت ستارة وهميّة عن دماغ رواد. في غيبوبته نسمعه: "ليش عم ببرحشوا بخلايا دماغي، تأتذكّر كل شي؟ أنا ومروان مع بعضنا من صف الكاترييم، والجامعة والعمل. حبّيت ليلى من شريطتها الحمرا ودلّيت مروان عليها. سألتو يا زلمه لوين سابقني. إنتِ بقيتي حدّي وهو راح. حاج تبحبشوا بهالذاكرة".
كأنها على تواصل معه: "لازم أفهم، عيونك عم بتقلّي يا سطلة أنا حدّك"، لكن عقلها كان هناك.
أيكون رواد في هذا الاحتضار، تلقى "أحبكَ"، وليلى تقولها بصوت خافت، لا صراخ فيه ولا عويل؟ الجواب قد يكون في ما جمعه كميل سلامة من حفر وتنقيب في دماغ رواد.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم