الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

المقعد الماروني في طرابلس... أبعد من مسألة مقيمين

المصدر: "النهار"
رولا حميد
المقعد الماروني في طرابلس... أبعد من مسألة مقيمين
المقعد الماروني في طرابلس... أبعد من مسألة مقيمين
A+ A-

يُجمع موارنة طرابلس على التمسك بالمقعد النيابي الماروني في مدينتهم، متجاوزين انحسار أعداد أبناء الطائفة إلى بضع مئات، ظاهرة لم توقف قرع أجراس كنائسهم إن في كاتدرائية مار مارون القائمة في الشارع الذي يحمل اسم شفيع الطائفة وسط المدينة، ولا في كنيسة القديس مخائيل في شارع الكنائس، ولا في كنائسهم الأخرى في القبة والميناء.


يصرّ موارنة طرابلس أنهم مكون أساسي من مكونات المدينة، ويرجعون في ذلك إلى مئات السنين، على ما عبّر عنه أحد وجوه الطائفة المعروفين في طرابلس الدكتور حلو الحلو الذي احتل منصب مدير أحد المصارف الهامة لفترة طويلة، وعضوية مجلس بلدية طرابلس لثلاث دورات متفاوتة سابقاً.


يذكر الحلو أن وجود عائلته في طرابلس يعود لأربعمئة سنة بحسب السجلات المتوافرة لديها، لكن الطائفة أعتق من ذلك بكثير، على ما يعتقد، دون أن يكون لديه البرهان القاطع على ذلك، والسبب ما يدور في أوساط الموارنة من روايات متوارثة تتحدث عن عبور السيدة العذراء في طرابلس وهي منتقلة من أورشليم، إلى افاميا في تركيا، حيث يقوم ضريحها، وذلك عندما هجرت أورشليم عقب صلب السيد المسيح، ويعتقدون أن السيدة العذراء أقامت ردحاً من الزمن في المعبد الذي يحمل اسمها في باب التبانة منذ مرورها ومكوثها فيه.


معتقدات محببة


الرواية تحتاج لتأكيد بنظر راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران جورج أبو جودة، فالكنيسة، المعروفة باسم "كنيسة السيدة"، بنيت بحسب علمه في القرن الثامن الميلادي، على ما قال لـ"النهار"، وما عدا ذلك لا يتعدى المعتقدات الشعبية المحببة على قلوب المنتمين للسيدة العذراء.


الكنيسة تقوم في نقطة قريبة من سوق القمح في باب التبانة، تلاصقها مدرسة تابعة للمطرانية تضم زهاء أربعمئة تلميذ من أبناء الأحياء الفقيرة، وليس بينهم ماروني واحد، فـ "رسالتنا تطوير مجتمعاتنا"، بحسب ما ينتشر ويتردد في أجواء الأبرشية، يضاف إليها مدرسة تحمل اسم المطرانية ملاصقة لمبنى الأبرشية القائم في الشارع الذي يحمل بدوره اسم المطرانية ويشتهر بـ "شارع المطران، وتضمّ ما يناهز السبعمئة تلميذ من أبناء المدينة، يقارب عددهم، وربما يفوق، عدد أبناء الطائفة الذين ما زالوا مقيمين في المدينة.


حظيت المدينة، والطائفة المارونية، بمقعد ماروني في التعديل الذي جرى على حجم البرلمان اللبناني، وانتقل من 99 نائباً، إلى 108 نواب وفق الطائف، وما لبث العدد أن تطور أكثر من مرة وصولاً إلى ما هو عليه الآن، أي 128 نائباً، ومن ضمنهم نائب ماروني في طرابلس.


لكن المقعد تبوأه نواب من خارج المدينة، وشكل على الدوام مشروع تسوية سياسية محلية ليست غريبة عن اللعبة السياسية اللبنانية المعتادة، وبين تراجع عدد أبناء الطائفة في المدينة، والحاجة لمقعد خارجها، طرح بعض الآراء نقله إلى مناطق أخرى متذرعة بقلة عدد الموارنة الطرابلسي.


الفاعليات المارونية الطرابلسية ترفض هذا المنطق، وترفض نقل المقعد، ولديها أكثر من تبرير لذلك.


يقارن الحلو بين هجرة آلاف المسلمين للمدينة وهجرة الموارنة، فـ"لو قلنا"، بحسب رأيه "إن الذين هاجروا هم النصف، لوجدنا أن الباقين من المسلمين هم بعشرات الآلاف، لكن النصف من المهاجرين الموارنة يحوّل عددهم إلى قلة تعدّ، إن لم يكن بالآلاف، فبمئات قليلة".


ويعتقد إيلي الخوري، مستشار رئيس حزب "القوات اللبنانية" للعلاقات الخارجية، أن الهجرة المارونية كانت من أجل العمل، والعلم، مثل بقية الفئات، وليس لسبب آخر، فبنظره "لم يتعرض أحد يوماً من الأيام لأبنائها، ولا لمعابدها، ولم يمنع أحد من البقاء ".


وتحدث أبو جودة عن نقل المقعد، ذاكراً أن أحداً لم يطرح الموضوع بصورة فعلية، ونتمنى أن "لا يطرح الموضوع لأن المطلوب أن تكون فئة من المواطنين ممثلة في البرلمان، وليست القضية قضية عدد بقدر ما هي قضية عيش مشترك، والمسيحيون موجودون في طرابلس منذ القدم، ولهم دورهم وفاعليتهم وأعمالهم".


صلاحية المطران


وتابع لافتاً إلى أنه "ليس من مصلحة المدينة أن تكون بطابع واحد، وإلا أصبحت منغلقة على الذات، فالتنوع يميّز لبنان، مما دفع البابا للقول إن لبنان ليس مجرد وطن وإنما رسالة. ومن هنا أعتقد أن نقل المقعد هو موضوع خاطئ".


وقال: "نحتاج لأن يتولى أمور الرعية العامة سياسيون، وهذه ليست من صلاحية المطران، فوجودي هنا وجود وطني وليس وجوداً سياسياً، ومن هنا أيضا نصرّ على الإبقاء على هذا المقعد".


بدوره يؤكد خوري أنه "قلما طرح نقل المقعد بصورة جدية ورسمية، وما قيل في الموضوع منذ بضعة أسابيع لا يعني أن الموضوع جدي. وأهمية بقاء المقعد في طرابلس هو تثبيت الوجود التاريخي المسيحي في طرابلس، وقلة العدد لا تعكس حضور الفئة ودورها وفاعليتها الاقتصادية والاجتماعية".


وختم: "إن الحفاظ على المقعد هو حفاظ على التنوع، في طرابلس ولبنان، وهو حاجة أكثر من أي وقت مضى بعدما جرت محاولات لتصوير المدينة أنها مدينة تطرف، وتبين أن ذلك لم يكن صحيحاً".


أما الحلو فيصرّ بقوله إن أبناء الطائفة "متمسكون بالمقعد، والحفاظ على موقعهم في المدينة، ويريدون أن يتمثلوا بواحد من أبنائها بالمقعد المخصص لماروني فيها".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم