الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تفصيل قانون الانتخاب مقلق للتوازنات السياسية والخلفية هي المعادلة الرئاسية بأبعادها الإقليمية

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
A+ A-

على رغم أن النقاشات المعهودة حول قوانين الانتخاب تعيد الى الواجهة قصقصة المشاريع المطروحة على قياس الاحزاب التي تحكم بطوائفها غالبا، بدت المؤشرات في ضوء النقاشات الاخيرة مخيبة جدا، لانها لم تعاكس الواقع الذي عرفه اللبنانيون طوال عقود، في الوقت الذي رفعت فيه عناوين توحي الانتقال بالرئاسة الجديدة نحو أفق مختلف كليا عما سبق. صحيح أنه لم يظهر بعد أي شيء نهائي في موضوع القانون العتيد للانتخاب، ورئيس الجمهورية حدد الاطر العامة والعناوين من دون الخوض في التفاصيل، لكن المسار المعمول به يوجه رسالة قوية لجهة ان البحث لا يتم فعلا في العناوين المرفوعة للقانون، أي التمثيل العادل والديموقراطي للبنانيين هي حصص الطوائف وقوتها التمثيلية، بمقدار ما هي تقرير مصير التوازنات السياسية في البلد أيضا. وهذا الامر يثير قلقا غير معلن لدى عواصم مهتمة بلبنان لكنها ليست معنية بالتدخل، بل تراقب عن كثب باعتبار انه سيكون مزعجا بالنسبة اليها، في ضوء الامتدادات الخارجية للوضع السياسي في لبنان، أن تصب التوازنات المحتملة وفق تقسيمات قانون الانتخاب العتيد في مصلحة قوى اقليمية نجحت حتى الآن في أن تحظى بالمغانم المعنوية الكبيرة من التطورات اللبنانية.


وفيما يسعى المسؤولون الى تقديم عوامل طمأنة محلية وخارجية الى سلوك او مسار سياسي معين، ثمة ما يتم التوقف عند رمزيته. يندرج في هذا الاطار على سبيل المثال لا الحصر احياء رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل ذكرى التفاهم الذي كان عقده العماد ميشال عون مع "حزب الله" قبل بضعة اعوام. ففي المعطى الداخلي، قد لا يضيف إحياء هذه الذكرى الكثير الى اهتمامات اللبنانيين، خصوصا عشية التحضير لانتخابات نيابية وتمتين موقع رئاسة الجمهورية الآن وفي المستقبل، إلا أن العين الخارجية لا تنظر الى المشهد من الرؤية نفسها. يقول ديبلوماسيون معنيون إن المعادلة التي أوصلت الرئيس العماد عون الى الرئاسة مفهومة تماما، كما يُفهم أن التحالف بين الحزب والتيار غير قابل للخرق او للكسر، وسيكون مكلفا جدا على اطراف اكثر من سواهم في حال ورود هذا الخيار، وربما على لبنان ايضا، وتاليا هو غير مطروح للعمل عليه حتى من بين من يتطلعون الى ذلك. وثمة عامل آخر يتصل بواقع أن الحزب غدا متينا في وضعه ليس من خلال تحالفه فحسب مع فريق مسيحي اساسي او عبر نجاحه في ايصال مرشحه لرئاسة الجمهورية، بل لأن المعادلة التي رست عليها الامور في الاشهر الاخيرة شكلت ضمانا له من جميع الافرقاء، بمن فيهم "تيار المستقبل"، من خلال تخلي الاخير عن الشعارات والعناوين التي جعلته في موقع الخصم من جهة، وعلى نقيض مشروع يهدف الى استيعاب لبنان من ضمن مشروع اقليمي معين من جهة أخرى. ويثار تساؤل مثلا في هذا السياق عما يمكن أن يكون عليه موقف لبنان رئيسا وحكومة، في حال اتخاذ الخارج موقفا ضد "حزب الله" يطالبه مثلا بتسليم سلاحه الى الدولة اللبنانية أو ما شابه. هل يمكن ان يتضامن الجميع في موقف واحد تحت شعار حماية وحدة البلد، او يتناقضون في ذلك؟ المرجح هو الخيار الاول، تبعا للمعادلة التي أرسيت في البلد أخيرا تحت مسمى التسوية. لكن الواقع أن الرؤية الخارجية لذلك والإقرار بما حصل لا يمنعان القلق من ان ينسحب على الانتخابات النيابية ونتائجها. والواقع أن هناك مشروعا واضحا لاستعادة الافرقاء المسيحيين ما يعتبرون انهم خسروه بفعل تطبيق اتفاق الطائف عبر تقسيمات انتخابية ارساها زمن الوصاية، لكن ذلك لا يخفي جانبا اكبر للصورة يحجبها الصراع الداخلي على الحصص ومحاولة تعزيزها وتثبيتها في فرصة او ظروف قد تكون متاحة راهنا وربما لن تتكرر لاسباب واعتبارات لا مجال للخوض فيها. لكن تكريس الخلل في التوازن السياسي يثير اشكالية كبيرة لمن ينظر الى الوضع السياسي في لبنان راهنا من المنظار الداخلي والخارجي على حد سواء. ويعتقد هؤلاء أن ليس المطالب المسيحية وحدها ما يشكل الخلفية الواقعية للنقاشات حول قانون الانتخاب العتيد، بل من يستفيد أيضا من طبيعة هذه التقسيمات، وكيف تنعكس في المجلس النيابي المقبل وأثرها على طبيعة اتخاذ القرارات. ومع أن لبنان بات يعتمد الى حد بعيد الديموقراطية التوافقية بحيث لا يمكن اتخاذ قرار كبير من دون موافقة الاطراف او الطوائف الفاعلة، فقد أظهرت تطورات العامين الماضيين أنه يمكن الاستفادة من هامش واسع للابقاء على العناوين، في حين ان لعبة التوازنات السياسية تغيرت، وكان ثمة غالب ومغلوب على رغم رفض الافرقاء اللبنانيين إدراج ما حصل من ضمن هذه المعادلة.
لذلك فإن التحدي بالنسبة الى رئيس الجمهورية بالذات، ربما أكثر من أي وقت في زمن الرئاسات بعد اتفاق الطائف، لكونه الرئيس الذي يحظى بدعم تيار شعبي واسع، هو أن يؤمن رعاية قانون انتخابي يلحظ عدالة لجميع الطوائف والفئات وليس تغليبا لطائفته ولا لتياره الذي يحظى بفرصة عادلة وتمييزية أحيانا. علما أن ما اعلنه سابقا الرئيس عون لجهة الدعوة الى التصويت للاحزاب وليس الافراد، عدّه متابعون ديبلوماسيون خطأ، من منطلق أن رئيس الجمهورية هو أب الجميع من دون تمييز، بحيث يرعى حقوق الافراد وليس فقط الجماعات المؤثرة، خصوصا متى كان البلد تعدديا مثل لبنان، وهو ما يفترض المحافظة عليه.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم