الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نصفُ الألف \r\n قانونٌ لغسل الذنوب

غسان العيّاش
نصفُ الألف \r\n قانونٌ لغسل الذنوب
نصفُ الألف \r\n قانونٌ لغسل الذنوب
A+ A-

البلاد غارقة في البحث عن قانون جديد للانتخابات.
في المظهر، هذا أمرٌ عاديٌّ وطبيعي. فالتحوّلات السياسية والديموغرافية بعد ستة عقود تتطلّب إعادة النظر في النظام الانتخابي الذي يحدّد طريقة تمثيل المكوّنات السياسية والطائفية في البرلمان، أي في السلطة.
ومن البديهي أن التشريع المنتظر سوف يطوي ما قبله ويفتح صفحة جديدة في حياة لبنان السياسية. سيعيد تأسيس النظام من رحم النظام الراهن، بأدواته ورموزه وقواه نفسها، ممّا يسقط أي مسؤولية أو محاسبة عن الأضرار الفادحة التي لحقت بالبلاد في السنوات الأخيرة. سيمنح القانون، ضمناٌ، عفوا عامّا شاملا عن الفساد وسوء الإدارة المالية والاقتصادية، ناهيك باستعمال التوتير الطائفي والسياسي كأداة في الصراع الداخلي، ممّا عرّض البلاد لأفدح المخاطر.
أمرٌ واقع يجب أن نتقبّله ونقبله. فاللبناني لا يحاسب مسؤوليه، لأن أولوياته الطائفية والقبلية، وأحياناً مصالحه الصغيرة، تسيطر سيطرة كاملة على خياراته الانتخابية. ليست المشكلة في هذا الواقع، بل في توهّم البعض أن قانون الانتخاب المنتظر يمكن أن يؤدّي إلى تغيير الحياة السياسية وإصلاحها. إن طرح النسبية أو التمسك بالنظام الأكثري، أو أي مقترح آخر، كلها دعوات خالية من أي منحى إصلاحي، بل هي مجرّد أشكال خارجية للنزاع الدائر حول الحصص النيابية، والمقاعد التي يسعى كل فريق إلى انتزاعها.
الإصلاح الحقيقي، الذي لن يأتي، هو في يد الناخب وليس في أحكام القانون. عندما يبدأ الناخب اللبناني بمحاسبة المسؤولين، في كل دورة انتخاب، عن أدائهم ونتائج أعمالهم وتأثير سلوكهم وقراراتهم على حياته ومستوى معيشته، عندها يكون لبنان على مشارف الإصلاح الفعلي والديموقراطية الحقيقية.
إذا تبحّرنا، على سبيل المثال لا الحصر، في نتائج إدارة البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، لوجدنا مبرّرات وحوافز أكثر من كافية لتغيير طاقم السلطة بأسره. لكن هذه الاعتبارات غير موجودة في قاموس الناخب اللبناني، وأي ناخب في مجتمع قبلي أو طائفي.
فشلت السلطة في "تخفيف" منسوب الفساد وتعثّرت إدارتها للخدمات والمرافق، وسقطت سقوطاً ذريعاً في إدارة ملف النفايات. استمرّ تدهور المالية العامّة بنتائجه المدمّرة للاقتصاد والمجتمع، فوصل عجز الموازنة إلى 8 في المئة من الناتج المحلي وقارب الدين العام 150% من الناتج.
ذاب معدّل النموّ الاقتصادي ووصل إلى حدود العدم، فتدهور الدخل الفردي تدهورا مريعا إذ تراجع بنسبة 8 في المئة بين عامي 2012 و2015، لأن تراجع معدّل النموّ الاقتصادي تزامن مع زيادة 1.2 مليون نسمة في عدد المقيمين بفعل النزوح السوري إلى لبنان. ولكن نزوح السوريين ليس مسؤولاً وحده عن هذا التراجع، فبدون احتساب الوافدين السوريين لم تتعدّ الزيادة على حصّة الفرد من الناتج 4% طوال هذه الفترة، وهي نتيجة تعيسة ناشئة عن الصراع السياسي الداخلي وتعطّل المؤسّسات وسوء إدارة الدولة ومرافقها وخدماتها.
ارتفاع معدّل البطالة وانخفاض مستوى المعيشة هما السبب الأوّل والمباشر لتغيير الطاقم السياسي عبر الانتخابات في أي بلد عالي أو "متوسّط الديموقراطية". أما في لبنان، فالذين قادوا الدولة الفاشلة إلى مزيد من الفشل معفيّون من أي حساب، بل إنهم يتحاورون لوضع نظام انتخابي على قياسهم.
وبعد، هل ننتظر إصلاحاً سياسياً عبر القانون الجديد؟ وما معنى القانون العصري للانتخابات في الواقع اللبناني؟ يجب ألا نتوقّع أكثر من تشريع يحسّن إجراءات العملية الانتخابية من دون أن يمسّ في الجوهر.
على رغم ذلك كله، فهناك قانون انتخاب وحيد يساعد الاقتصاد اللبناني على الصمود والانطلاق. إنه، بصراحة، القانون الذي يراعي مطالب المكوّنات الطائفية والسياسية، ويزيل هواجسها، ويحرّرها من الغبن والقلق ويخلق نوعاً من الاستقرار في العلاقات الطائفية والسياسية، ممّا يشيع في البلد أجواء من الهدوء والسكينة.
هذه هي حدود الطموحات المتيسّرة، فلا إصلاح ولا تبديل، ولا تجديد ولا من يحزنون.


غسان العياش في "النهار"
كتب الدكتور غسان العياش عبر "فايسبوك" الآتي: تغيب مقالاتي مع غروب "السفير" وتعود مع شروق "النهار". و"النهار" ترحّب به خبيراً في الملف الاقتصادي – الاجتماعي – السياسي.
وهو ينضم إلينا كاتباً في هذه الزاوية التي سماها بنفسه بمعدل مرتين في الشهر.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم