الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لم تعرف إيران أهمية أوباما فجاءها ترامب!

سركيس نعوم
سركيس نعوم
لم تعرف إيران أهمية أوباما فجاءها ترامب!
لم تعرف إيران أهمية أوباما فجاءها ترامب!
A+ A-


لن أتناول اليوم سياسة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب التي فصّلها في خطاب مهم وإن غير مفاجئ ومخيف أو بالأحرى مقلق. لكنني أود أن ألفت الأصدقاء في المملكة العربية السعودية، والأصدقاء في الجمهورية الاسلامية الايرانية الى أن وضع دولتيهما مع أميركا ترامب لن يكون مريحاً لهما، رغم التهنئة السريعة التي أرسلتها إليه الرياض والتريّث الذي أظهرته طهران. فأحد أبرز الأهداف الاستراتيجية في برنامجه الرئاسي كما ورد في خطاب القسم هو استئصال أو إبادة أو محو إرهاب الإسلام الراديكالي (Radical Islam) من على وجه الأرض. أما دافعه فهو الإرهاب الذي مارسه "الإسلام" المذكور ضد بلاده أواخر القرن الماضي، ومنذ مطلع الألفية الثالثة بتنوّع أقطابه وتنافسهم وحروبهم بالوكالة، وبلهجة شديدة وحازمة أراد من خلالها إفهام العالم المسلم والعالم الأوسع أن المسؤولية عن الإرهاب لا يتحمّلها ممارسوه فقط، بل الايديولوجيا التي بها يؤمنون وهي الاسلام الراديكالي. وهذا الاسلام لمن لا يعرف أو يتجاهل هو في رأي ترامب وكثيرين من قادة العالم "عقيدة" الحكم الرسمية في دول إسلامية عدة، منها المملكة العربية السعودية. فالوهابية التي ليست مذهباً بل منهج ربما وقاعدة حكم وسلوك يعتبرها قسم من العالم المسلم "إسلاماً راديكالياً". كما تعتبرها كذلك جهات دولية كبرى وعظمى، وإن تلافت الجهر بذلك رسمياً تاركة هذه المهمة الى وسائل إعلامها المتنوّعة والى مواقف نوابها وشعوبها وأحزابها وسياسييها وأجهزتها الاستخبارية المتنوّعة، وعدد من قادتها العسكريين الذين في الخدمة والذين ذهبوا الى التقاعد. وقد ظهر ذلك الى العلن عندما "وظّفت" واشنطن والرياض الاسلام الوهّابي "لتحرير" أفغانستان المسلمة من الاحتلال السوفياتي "الكافر"، وكانت الوهابية يومها معتدلة. ثم ظهر ثانية بعد إرهاب 11 أيلول 2001 في أميركا عندما شكّكت أميركا الرسمية في ضلوع المملكة رسمياً فيه، بعد تأكدها من دور فيه لكبار منها ولجمعيات خيرية ورجال دين. لكن التحقيقات برّأت العائلة المالكة في السعودية، وأبقت سيف الاتهام مسلّطاً على أحد "العمودين" اللذين يقوم عليهما النظام في المملكة.
طبعاً هناك إسلام آخر راديكالي في رأي الرئيس ترامب هو إسلام الجمهورية الاسلامية الايرانية. وهناك إرهاب خطير أيضاً مارسته مباشرة وعبر أذرعها العسكرية والعلمائية والحزبية والمذهبية في المنطقة ضد العرب وضد حلفائه في العالم وبعضهم دول إسلامية. وأهمّهم على الإطلاق عند أميركا دولة إسرائيل واليهود في العالم. وربما يرى الساكن حديثاً في البيت الأبيض في واشنطن أن الاسلام الراديكالي الإيراني أكبر وأكثر أذى لأن من يؤمن به جعله دستوراً لدولته منذ عام 1979، ولأنه بنى دولة جدّية نجحت رغم الحروب والحصارات والعقوبات في بناء دولة جدّية جداً وفي التحوّل قوّة إقليمية عظمى يخافها العرب وغير العرب المنتمون الى "الاسلام الراديكالي" والاسلام المعتدل (السنّيان). كما تخافها إسرائيل. وبسبب خوف الأخيرة لم يكف الأميركيون عن وضع الاسلاميْن الراديكاليين السنّي والشيعي في كفة واحدة. علماً أنهم يعرفون الفرق بينهما وأبرزه أن "إرهاب الدولة" (إيران) يمكن إنهاؤه بالتفاهم كما بإنهاء فروعه المتمثّلة بـ"أدوات" سنّية. في حين أن الإرهاب الراديكالي السنّي لم يصل الى مرتبة إرهاب الدولة إلا مرة واحدة يوم قرّرت واشنطن هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان واعتمدت على الاسلام الراديكالي السعودي لتحقيق ذلك ونجحت.
في اختصار تعرف إيران أو يجب أن تعرف أن السياسة الخارجية لسلفه أوباما وخصوصاً في الشرق الأوسط وتحديداً حيالها، هي أحد أبرز أسباب وصول ترامب الى الرئاسة. ذلك أن رصيده كرئيس مغادر السلطة أكبر من رصيد أي رئيس سابق. ويعود ذلك الى إنجازات له في الداخل. وهي تعرف أيضاً أن أوباما كان أفضل رئيس لأميركا يمكن أن تتفاهم معه على تسوية حروب المنطقة ومشكلاتها بعد الاتفاق النووي الذي هو عرّابه، لو حاورته كما وعدت في القضايا الاقليمية. وتعرف أنه سيمضي وقت طويل قبل أن يأتي شبيه له. ولذا عليها التحسّب والتيقّظ والانتظار وخصوصاً بعدما وضعها ترامب في مرتبة كوريا الشمالية في خطابه.
أما المملكة فعليها الانتظار والتحسّب أيضاً، إذ لا تستطيع قبول دور إقليمي تسمح به إيران بعد التفاوض عليه معها. كما لا تستطيع التخلّي عن الاعتماد على أميركا وحمايتها. والدافع الى الانتظار جهل السياسة التطبيقية للاستراتيجيا الواضحة التي أعلنها ترامب الجمعة الماضي، وفي الوقت نفسه جهل ردود الفعل في الداخل الأميركي قبل الخارج على تطبيقه لها.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم