الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها تُستعاد عندما لا يحتاجون للسؤال: "من أين لكم هذا؟"

اميل خوري
A+ A-

هل تستطيع حكومة الثلاثين استعادة ثقة الناس بها وبالدولة ومؤسساتها كما وعدت في بيانها الوزاري، وهو اعتراف بأن هذه الثقة مفقودة وأن ثقة النواب بها لا تكفي وحدها لاستعادتها، وكذلك البيانات والتصريحات المحشوة بالوعود، إنما الأفعال التي لم تر عيونهم شيئاً منها منذ سنوات، لأن كثيراً من الوزراء لم يهتموا بأولويات الوطن والمواطن بل بأولوياتهم، فاجتاحت النفايات المدن والبلدات وعمّت السرقات الوزارات والمصالح المستقلة والادارات العامة، ولم يرَ الناس سارقاً واحداً يدخل السجن، وارتفعت نسبة الدين العام في حين ظل الناس يعانون شحّ المياه وانقطاع الكهرباء، وضاقت الطرق بالسيارات ما أحدث أزمة سير لا تعالج، ولولا الرعاية الدولية للبنان لما كان استقرار وسط منطقة تشتعل.


لذلك ليس المهم أن تنال الحكومة ثقة سياسية بل ثقة شعبية لن تحصل عليها بالاقوال بل بالأفعال التي تبدأ بالتوصل الى اتفاق على إقرار قانون عادل ومتوازن تجرى انتخابات حرة ونزيهة على اساسه. قانون يترجم ما نص عليه الدستور ترجمة صحيحة، خصوصاً ما يتعلق بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وليس بالضرورة أن تكون مناصفة طائفية بل وطنية ليصح القول إن النائب هو نائب الأمة جمعاء لا نائب مذهب أو طائفة، مع تأكيد الحياد والنزاهة في الانتخابات كي لا تكون نتائجها عرضة لأي طعن، وأن تقر الحكومة الموازنة العامة التي مضى على عدم اقرارها أكثر من 10 سنين، فكان ذلك من أسباب تفاقم الفساد وعجز كل قانون عن مكافحته. لذلك فإن إقرار الموازنة يكون من إنجازات الحكومة المهمة بعد قانون الانتخاب. وعليها أيضاً ملء الفراغات في ملاكات الدولة الأمنية والعسكرية والديبلوماسية والإدارية شرط الأخذ بالكفاية والجدارة وجعلهما تتقدمان أي انتماء كما وعد الرئيس ميشال عون، وكي يؤدوا الخدمات لكل الناس من دون تمييز سياسي أو طائفي. وعلى الحكومة إذا اتسع لها الوقت وضع الخطط العلمية لتأمين المياه والكهرباء وإزالة التعديات وتعزيز الصناعة وتشجيع الزراعة والسياحة والاصطياف، حتى إذا خلفتها حكومة ما بعد الانتخابات النيابية تكون جاهزة لتنفيذ هذه الخطط، ولا تضيع الوقت على إعدادها أو تختلف عليها، كما حصل مع حكومات خلال سنوات فلم ينفذ شيء من ذلك.
أما حكومة ما بعد الانتخابات النيابية التي يرى البعض أنها حكومة العهد الأولى كونها تنبثق من مجلس نيابي يمثل إرادة الشعب تمثيلاً صحيحاً، فهي التي تعطي عنوان النجاح للعهد وترسم سياسته على الأسس الآتية:
أولاً: إقامة الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، فلا تكون دولة سواها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها.
ثانياً: ترسيم الحدود مع سوريا تنفيذاً للقرار 1701، لا أن تظل سائبة ومفتوحة للمتسللين والمهربين، والحصول بالتالي من سوريا على اعتراف خطي بملكية لبنان لمزارع شبعا كي يصير في الامكان مطالبة اسرائيل بالانسحاب منها، فيتحقق عندئذ تحرير ما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة ويعود العمل باتفاق الهدنة بين لبنان واسرائيل الى حين يتم التوصل الى تحقيق سلام شامل وعادل مع إسرائيل.
ثالثاً: تنفيذ القرارات التي صدرت عن جلسات هيئة الحوار الوطني، ولا سيما ما يتعلق بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات توصلاً الى ضبطه داخله، واتخاذ اجراءات لتنفيذ "اعلان بعبدا" كونه السبيل الوحيد لحماية لبنان من تداعيات صراعات المحاور.
رابعاً: حل مشكلة سلاح "حزب الله" بالاتفاق مع ايران كي تساعد بصدق وحسن نية الدولة اللبنانية على حصر الصساح بها من دون سواها.
خامساً: تطبيق اللامركزية الإدارية الواسعة بدءاً بالنفايات لأن تطبيقها ينهي الصراع الحاد على السلطة المركزية ويساعد على مكافحة الفساد الذي يصبح مكشوفاً للناس وخاضعاً لمراقبتهم ومحاسبة كل مرتكب أمام القضاء أو في صناديق الاقتراع بعدما فشلت كل ا جراءات مكافحة الفساد من خلال السلطة المركزية.
إن عهد الرئيس عون إذا نجح في تحقيق كل ذلك يكون قد أقام فعلاً جمهورية جديدة لها جمهورها الواسع، وجعل عهده مختلفاً عن سائر العهود وحظي بثقة كل الشعب، وهي أهم من أي ثقة. وقيام هذه الجمهورية من أصحاب الكفاية والأيدي النظيفة لا يحتاج الى قوانين تسأل القيّمين عليها عن إثرائهم غير المشروع، والاجابة عن سؤال: من أين لكم هذا؟!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم