الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

هاجسٌ يؤرق العالم... ذئاب خارج أراضي المعارك

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
هاجسٌ يؤرق العالم... ذئاب خارج أراضي المعارك
هاجسٌ يؤرق العالم... ذئاب خارج أراضي المعارك
A+ A-

قَتلُ المرتد القريب أولَى من الكافر البعيد، نظرية معاكسة اعتمدها تنظيم "داعش" مقارنة بـ"القاعدة" التي حاولت هزَّ النظام الأميركي في عقر داره في 11 أيلول 2011، ليعود "داعش" ويقتدي بالتنظيم الأم معتمداً نظرية بث الرعب حول العالم من خلال العمليات الفردية التي ينفذها أشخاص يُعرفون بـ "الذئاب المنفردة".


جيشٌ واحد في رجل
تمكَّن تنظيم "داعش" من تأسيس فكرة "الذئاب المنفردة" خلال فترة قصيرة حيث علَّم مناصريه إلكترونياً كيفية صنع العبوات الناسفة وشراء السلاح عبر الانترنت وتغذية عقول الجيل الجديد بأفكاره، مما اعتُبرَ عاملاً أساسياً في استراتيجية الحرب النفسية التي يتبناها هذا التنظيم. وهو لم يكن على ما هو عليه اليوم، لولا استخدامه الإعلام لإدارة الحرب النفسية التي شنَّها بالتوازي، وأحياناً بشكل استباقي، مع تقدم عناصره على الأرض العراقية والسورية. ولم يكن على الصورة التي تشكَّلت عنه، لو لم تُعطه وسائل الإعلام المساحة والحيّز الكبيرين، فضخّمت صورته ودوره. ابتكر صورة مركّبة ومثيرة للجدل وانجرف الإعلام خلفه، مما أدَّى إلى وصول الأخبار عن وحشية هذا التنظيم وقوته إلى الملايين حول العالم. فمن هجوم باريس وصولاً الى اعتداء اسطنبول، هجمات تخطّت حدود أراضي المعارك في كل من سوريا والعراق، لتجعل من أي بلدٍ هدفاً لها.
فكرة عمليات الذئاب المنفردة ظهرت على يد أبو مصعب السوري (مواليد حلب، سوريا 1958) خلال فترة "الجهاد" في أفغانستان حيث تفرّغ لدرس الشريعة وأسّس "معسكر الغرباء" في قاعدة "قرغة" العسكرية في كابل الأفغانية، ليُعرف تالياً بـ"مهندس القاعدة الجديدة" التي يتلخص مخططها في أن كل مسلم "يجب أن يمثّل جيشاً من رجل واحد". في نهاية عام 2009، انتشرت عمليات "الخلايا الفردية" أو "الذئاب الوحيدة" كما يسمّيها مكتب التحقيقات الفيديرالية، وشكلت تحدياً للاستخبارات. وقد انتشرت بشكل واسع في العام 2016 من جراء "الشحن الجهادي" على الانترنت، لتقوم هذه العمليات المنفردة على مبدأ التمويل الذاتي المحدود والاستعانة بالمواد لصنع متفجرات يمكن الحصول عليها من الأسواق من دون لفت الانتباه.


من الكاسيت إلى السيلفي


[[video source=youtube id=-eX7vYtkq0o]]


لم يكتفِ تنظيم "داعش" بالوسائل الإعلامية التقليدية بل أثبت نفسه في العالم الإفتراضي، على عكس تنظيم "القاعدة" الذي كان ينشر تسجيلات صوتية لزعيمه أسامة بن لادن يتوعّد فيها الغرب بشنِّ هجمات شرسة من خلال نشرها عبر قناة "الجزيرة". وقد انشأ "داعش" الذي واكب التطور التكنولوجي، مواقع إلكترونية أشهرها موقع "وكالة أعماق" الذي ينشر على مدار الساعة أخبار التنظيم السياسية والعسكرية، ويبث تسجيلات مصوّرة لمعاركه ورسوم بيانية إخبارية (إنفوغراف) توضح "إنجازاته" الميدانية، إضافة إلى فيديوهات الإعدامات التي كانت ولا تزال تنشر الخوف في نفوس الملايين. واستخدم "داعش" مواقع التواصل الاجتماعي مثل "يوتيوب" و"فايسبوك" و"تويتر" و"تيليغرام" وغيرها من الوسائل بغية التواصل مع مناصريه أو استقطابهم للقتال في صفوفه. وبرزت أخيراً ميزة جديدة "السيلفي" لتبني العمليات، من بينها الفيديو الذي بثته وكالة "أعماق" الذي يَظهر فيه منفذ هجوم برلين مبايعاً زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، إضافة إلى فيديوهات أخرى صوّرت على طريقة "السيلفي" تبنّى مصوّروها تنفيذهم لهجمات إرهابية. فما هدف هذا التغيير في عملية التبني؟
يشرح أستاذ مادة التواصل الاجتماعي في الجامعة اللبنانية الدولية داود ابرهيم لـ"النهار"، أنَّ "هدف تنظيم داعش يكمن في تعميم فكرة "الذئاب المنفردة" كعقيدة تكوِّن السلوك والتوجه الراديكالي، إذ بات كل شخص يمثلُّ بمفرده تنظيماً وسلاحاً وحراكاً مستقلاً ولا يحتاج إلى أن يكون ضمن فريق عمل. وقد بات ينقل رسالته المصورة عبر هاتفه، في محاولة للتركيز على أنَّ في استطاعة كل مناصر لهذا التنظيم أن يكون جيشاً يمكنه القضاء على أكبر عدد من الأشخاص. وتكمن الخطورة في المسألة، في أنَّ هجمات مماثلة ينفذها أفراد غير قابلين للمراقبة والمتابعة، خصوصاً أنَّ شراء السلاح متوافر في الدول الغربية وبسهولة، وكل ما يتطلبه الامر وجود اقتناع ديني بعدما أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تُستخدم كمنابر للتسويق، شبيهة بمنابر الجمعة. ولم تعدُ الإنتاجات الداعشية في حاجة إلى معدات ضخمة واستديوهات وإخراج محترف وتقنيات عالية، بل تكمن الغاية في التأكيد على أنهم ليسوا تنظيماً يكون عناصره في بقعة جغرافية واحدة بل ينتشرون كأفراد وعقيدة، ليصبحوا في النهاية شبكة مترامية الأطراف، ويغدو كل منهم مجاهداً فردياً ومراسلاً حربياً وانتحارياً. وظهر هذا الأسلوب مع تطوّر طبيعة المادة المنتجة لترتبط بصحافة المواطن، إذ ينتج كل شخص مادته التي تصبح لاحقاً في متناول كل مستخدمي هذه المواقع، ضمن خطوة يسعى التنظيم من خلالها الى التأكيد أنَّ بإمكان الجميع أن يكونوا أبطالاً أينما كانوا".


لامركزية مطلقة وأرض خصبة
يرفض العميد الياس حنا تسمية "الذئاب المنفردة"، ويؤكد لـ"النهار" أنَّها "غير موجودة في المطلق، كأن يحمل أيّ كان سلاحاً متفلتاً ويقتل العشرات، فهذا الأمر نادراً ما يحصل. فعندما نتكلم عن هجوم "أورلاندو" في الولايات المتحدة الأميركية، و"داكا" في بنغلادش، و"باتاكلان" في باريس، والاعتداء على ملهى "رينا" في اسطنبول، ندرك بأنها ليست أعمالاً فردية". ويشير الى ان مهاجم "رينا" ليس وحيداً "بل حمل السلاح من سوريا حيث قاتل ووصل إلى تركيا ونفَّذ، مما يعني أن هناك منظومة. وكل الأحداث المذكورة سابقاً متشابهة لناحية الهدف الطري: المدنيون الأبرياء، المكان غير المحمي، التنفيذ الواحد، الجغرافيا البعيدة من سيطرة التنظيم، إلى جانب الرابط الإيديولوجي نفسه أيضاً. مما يعني أن فكرة الذئب المنفرد يجب أن نضعها جانباً، ونركز على هدف التنظيم الذي يسعى إلى التجنيد من خلال الإبقاء على قوّة صورته وقدراته ووعوده، علماً أن الضربات التي ينفذها تسعى الى استقطاب جنود أكثر خصوصاً بعد إغلاق تركيا لحدودها. الخطورة تكمن في سهولة التحضير واستثمار القليل في مقابل المردود الكبير لصورة هذا التنظيم، ما معناه قاتل واحد يحمل سلاحاً واحداً (استثمار بشري قليل) أودى بحياة 39 مدنياً، غيَّر تركيا وضرب اقتصادها، ادخل الحزَّن الى لبنان واكثر من دولة عربية".
المؤسسات الأمنية لم تعتد بعد على أسلوب التنظيم، ولا يمكنها مراقبة كل الأشخاص في ظل اللامركزية المطلقة التي يعتمدها، وفق حنا، "في حين أنَّ مشروع الدولة في العالم العربي لم يعد موجوداً، والأرض باتت خصبة أكثر".


[email protected] 
Twitter: @Salwabouchacra

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم