الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

قد خذلتَ المرأة في بلادي يا دولة رئيس الوزراء

حليمة ابرهيم القعقور-أستاذة جامعية ودكتورة في القانون الدولي
قد خذلتَ المرأة في بلادي يا دولة رئيس الوزراء
قد خذلتَ المرأة في بلادي يا دولة رئيس الوزراء
A+ A-

توقعنا من هذا العهد الجديد تدعيم أسس الديموقراطية، والعمل على توسيع المشاركة، لتشمل العدد الأكبر من شرائح المجتمع. توقعنا تعزيز العدل وانصاف المجموعات الأكثر ظلما، ورفع التمييز بكل أشكاله ضدها. توقعنا محاربة الفساد، ليس فقط بالكلام والشعارات، بل بوضع استراتيجيا واضحة المعالم، تأخذ في الاعتبار العوامل التي أفرزت هذا الكم الهائل من الصفقات والتسويات الفاسدة التي شوهت ثقافتنا، وعززت ثقافة الأقوى حتى لو كان فاسدا، وأنهكت المواطن، وشوهت معالم الوطن. توقعنا من هذا العهد الجديد تدعيم السلام، والعمل على مصالحة حقيقية بين الأطراف كافة. إلى الآن، لا تزال هذه المصالحة سطحية، وتذكّرنا رموزها ورجالاتها بالحرب التي لا تزال حاضرة في وجداننا وعقولنا وقلوبنا. توقعنا من هذه العهد الجديد العمل على خطة تنمية شاملة، اجتماعية واقتصادية وبشرية، ترمي الى خدمة الانسان، وتأمين حقوقه وحقوق أجيال المستقبل، وحل مشكلات البطالة والفقر والإقصاء الاجتماعي. توقعنا من هذا العهد الجديد العمل يدا بيد، وبشراكة تامة مع المجتمع المدني ومعاملته بجدية، ووضع آلية واضحة تجعل المنظمات غير الحكومية، والجمعيات الأخرى شريكة في عملية اتخاذ القرار.


لذلك توقعنا أن تكون المرأة شريكا أساسيا في الحكومة، وليس مجرد رقم (غالبا رقم واحد!)، لتزيين الحكومة. المشاركة الحقيقية للمرأة، لا يمكن أن تكون أقل من ثلث أعضائها.
ان تدعيم ركائز الديموقراطية، لا يمكن أن يكون من دون تمثيل الشريحة الكبرى في المجتمع، التي تزيد على نصفه، وهي غائبة الآن عن المشاركة السياسية، وعن مواقع اتخاذ القرار، لا بل نحن النساء نحتل المرتبة رقم 143 من بين 144 دولة تشارك النساء فيها بالبرلمان (وفق دراسة المنتدى الاقتصادي العالمي 2016). هل تكفي امرأة واحدة في حكومة من 30 وزيراً، يا دولة رئيس الوزراء؟
كيف لنا أن ننصف أكثر المجموعات ظلما وتمييزا في المجتمع اللبناني، والمرأة مبعدة عن الحكومة، وتمثيلها محصور في وزير واحد يا دولة الرئيس؟ هل من العدل أن نكون ممثلين بوزارة واحدة، ونسبتنا تزيد على 60 في المئة من المجتمع اللبناني؟
ان محاربة الفساد تتطلب خطة طويلة الأمد، وثورة ثقافية، وتغيير المناهج الدراسية، لتعزيز المواطنة وحقوق الانسان، والعمل على تفعيل مؤسسات الرقابة، واستقلال القضاء وغيرها من الآليات والاجراءات التي تعزز الشفافية والمساءلة والمحاسبة. لنبدأ يا دولة رئيس الوزراء بتعزيز مشاركة المرأة في الحكومة من أجل محاربة الفساد لأن كل الاحصاءات والدراسات أثبتت أنها أقل فساداً من الرجل في السياسة بما لا يقاس، كما أنها أكثر حرصا على المواطن وحقوقه.
ان كنتم تريدون فعلا إرساء سلام عام ومستدام، لا بد لكم من تعزيز دور المرأة في الحكومة، لأن مشاركتها الفعالة في السياسة وفي البرلمان والحكومة، تخفف النزاع، علماً أن الدول الأقل احتراما لحقوق المرأة، هي الأكثر بعداً عن السلام وفيها العدد الأكبر من النزاعات. إن وجود المرأة في أي مفاوضات سلام، يعزز نجاح هذه المفاوضات، ويدعم تنفيذ بنودها، كما أن مرحلة إعادة الاعمار التي تعقب الحروب والنزاعات، والمصالحة الحقيقية بين أطراف النزاع، لا يمكن أن تتم فعليا الا بوجود المرأة في مراكز اتخاذ القرار.
المرأة طرف أساسي لا غنى عنه في تحقيق التنمية وخلق بيئة نظيفة، لذلك لجأت الدول الساعية إلى التنمية المستدامة الجديدة لعام 2030 إلى جعل هذه الحقيقة أهم أهدافها، بعدما تبيّن لها أن التنمية الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق من دون مساواة كاملة بين المرأة والرجل، والقضاء على أنواع التمييز كافة ضدها، وهذا ما ظهر جلياً في عدد من المؤتمرات والاعلانات الدولية (المؤتمر الدولي للسكان في القاهرة 1994، مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية في كوبنهاغن 1995، اعلان الحق في التنمية 1986).
المجتمع المدني في لبنان وبكل شرائحه، مع مشاركة المرأة في السياسة، ليس فقط الجمعيات النسائية فقط، لأن تحسين وضع المرأة، وإلغاء التمييز في حقها، ينعكسان على حقوق المواطنين كافة، ويحسن أوضاعهم في كل المجالات. لماذا لا نصر على استبعاد المجتمع المدني وعدم تحقيق مطالبه؟ أتكتمل الديموقراطية دون مشاركة فعالة للجمعيات، والمنظمات غير الحكومية؟ أليس من الأجدى أن تكون وزيرة الدولة المختصة بشؤون المرأة "امرأة" تمثل هذه الجمعيات ومطالبها؟
لقد خذلت المرأة اللبنانية في هذه العهد الجديد يا دولة رئيس مجلس الوزراء. على الرغم من ذكرك الكوتا النسائية، هذه التي نعتبرها نحن نساء لبنان، حقا أساسيا، وضرورة أساسية لتعزيز مشاركة المرأة في السياسة، ألا أنك خذلتنا وخذلت كل امرأة في بلادي. هذه الحكومة الجديدة مشوبة بعاهات كثيرة، وهي إهانة لنصف المجتمع، وأقل عاهاتها وجود وزيرة واحدة، ووزير يمثل شؤون المرأة!



حليمة ابرهيم القعقور- أستاذة جامعية ودكتورة في القانون الدولي وناشطة في مجال حقوق الانسان.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم