الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

النسبية الكاملة تفجّر الدولة!

المصدر: "النهار"
وليد حسين- صحافي متخصص في الشأن الانتخابي
النسبية الكاملة تفجّر الدولة!
النسبية الكاملة تفجّر الدولة!
A+ A-

غنيّ عن البيان أن النظام النسبي يؤمن التمثيل العادل لمكونات المجتمع بحسب أحجامها الفعلية على أرض الواقع. ومن نوافل علم السياسة أن النظام الأكثري، إذا ما أخذنا معيار التمثيل حصراً، هو نظام جائر لأنه يقصي شرائح سياسية واجتماعية لها أوزانها التمثيلية الوازنة. ولئلّا نذهب بعيداً يكفي النظر إلى نتائج انتخابات بيروت البلدية الصيف الماضي حيث نالت لائحة بيروت مدينتي 40 في المئة من الأصوات من دون أن تحصل حتى على مقعد بلدي واحد.



هذا على مستوى التمثيل، لكن إذا ما أخذنا معيار "ثبات الحكم" النسبية تفرض على القوى السياسية عقد تحالفات غير متوازنة لتشكيل "حكومات ائتلافية". وهذه الأخيرة ميزتها الأساسية عدم الثبات والديمومة، لا سيما في ظل وجود نظام حزبي قائم على التعددية الحزبية والاستقطابات المتطرفة. فكلما ارتفع عدد الاحزاب ومستوى تمثيلها الشعبي زادت إمكانيات عدم التوافق على تشكيل الحكومة أو انفراط عقد الحكومات الائتلافية، وذلك بسبب التناقضات الحزبية والإختلاف في توجهات الأحزاب السياسية والإيديولوجية.



في الدول غير المتجانسة، كما هو حال لبنان، حيث يقوم النظام السياسي على "تقاسم السلطة" بين الأقليات المتنوعة دينياً أو إثنياً أو لغوياً... تعتبر النسبية حاجة ضرورية لاستقرار النظام السياسي، لكن فقط في حال أخذنا بعين الاعتبار نظريات "الديموقراطية التوافقية". لا بل هي حجر الزاوية الأساسي لثبات الأنظمة، كما يقول منظّرو التوافق. فبالنسبة إلى أب النظريات التوافقية آرندت ليبهارت، الحكم الذاتي الموسّع والنظام النسبي من أساسيات نجاح النظم القائمة على "تقاسم السلطة" بين الجماعات. لكن نجاح "التقاسم" بحسب ليبهارت لا يتمّ بدون "الفحص الديموغرافي" الدائم للأقليات كي يعاد تقسيم السلطة عليها بشكل يعكس تطورها الديموغرافي. هذه المعايير الثلاثة إلى غيرها من المعايير تعتبر أساسية بالنسبة إلى ليبهارت لتأمين ثبات الأنظمة غير المتجانسة وتالياً السلام الشامل.



لكن، مهلاً، إشكاليات النظرية التوافقية كثيرة، ليس فقط لأنه من المستحيل إجراء فحص ديموغرافي بشكل دوري، بل لأن مسألة إعادة تقسيم السلطة على الأقليات بما يتوافق وأحجامها، لا تتم بعملية سلمية وبالتراضي، بل بوساطة حروب دامية. الأمر الذي يعني عدم الاستقرار السياسي، وتالياً إبقاء الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات العنفية. ليس هذا فحسب، بل إن النقد الذي وجّه لليبهارت شمل أيضاً عدم إمكان تحقيق السلم عبر منح "المجموعات" سلطة حق "الفيتو". ففيما يعتبر "منظّر التوافق" هذا "الحق" أساسياً لتأمين التوازن بين المجموعات، يعتبر منتقدو نظرية ليبهارت أن حق الفيتو يسهّل عدم التوافق بين المجموعات، ويساهم في وضع المتاريس بينهم. هذا في المطلق، أما في لبنان وفي حال أردنا تطبيق النسبية الكاملة، عملاً بمبدأ نظرية ليبهارت، فستكون في تناقض مع النظام القائم، أي "المناصفة".



بطبيعة الحال، عدم الاستقرار في لبنان موجود حالياً حتى في ظل النظام الأكثري المعتمد. وقد يحاجج البعض بأن اعتماد النسبية سيغيّر الواقع الراهن؟ لكن النسبية ليست تقنيات لعدّ وفرز الأصوات بل هي نظام تمثيلي لمكونات المجتمع. والمكونات الاجتماعية والسياسية للبنان ليست بحاجة إلى الكثير من العناء لتحديد ماهيّتها. واقع الحال، وعلى "لوائح الشطب" الحالية للناخبين، ثمّة نحو 67% مسلمين ونحو 33% مسيحيين. لذا، النسبية هنا ستعزز منطق "العدد" الذي سيترجم خوفاً ورهاباً من الجماعات الاخرى الأكثرية.


 


ما سبق لا يعني القول بأننا بحاجة إلى نظام أكثري إلغائي، لكن النسبية في ظل التقاسم الطائفي للسلطة تلغي مفاعيل النسبية الحقيقية. إلا إذا اعتمدت أنظمة نسبية التفافية، تدور حول النسبية ولا تؤدّي إلى مقاصدها. فاعتماد 15 دائرة أو أكثر، كما يطرح البعض، يلغي مفاعيل النسبية.
وبمعزل عن كون النسبية في لبنان صعبة المنال بسبب الفيتو الطائفي، وبمعزل عن إشكالياتها الآنفة، النسبية في لبنان وكحل مرحلي، يجب أن تُسبق بتأسيس "مجلس الشيوخ" لتمثيل الطوائف، كي يقدر لها النجاح. كما يجب أن تسبق بإلغاء التقاسم الطائفي لمقاعد مجلس النواب، وأن تطبّق على قاعدة اللوائح الحزبية. أما المطالبة بالنسبية الكاملة وخارج القيد الطائفي، كما تُطرح حالياً، وفي ظل التقاسم الطائفي للمقاعد النيابية، فهذا أشبه بمن "يفخخ الجبل ويهرب للاختباء في أعلى قمته".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم