الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الإبادات بحق الإثنيات قضية تحارب الزمن... فهل التخاذل الدولي سبب في تكرارها؟

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
الإبادات بحق الإثنيات قضية تحارب الزمن... فهل التخاذل الدولي سبب في تكرارها؟
الإبادات بحق الإثنيات قضية تحارب الزمن... فهل التخاذل الدولي سبب في تكرارها؟
A+ A-

في القرن الحادي عشر اجتاح الجيش التركي مملكة أرمينيا، لتصبح هذه المملكة في القرن السادس عشر جزءاً من السلطنة العثمانية. بقيت أرمينيا تحت الحكم العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. ولكنَّ الحدث الأبرز كان في عام 1915 حيث وقعت مجازر بحق الأرمن راح ضحيتها الآلاف. "حقيقة تاريخية" لا يمكن إنكارها بالنسبة للأرمن يرفض الأتراك الاعتراف بها. ولكنَّ اللافت كان في اعتراف البرلمان الألماني في 2 حزيران 2016 بالمجزرة ضد الأرمن فيما نددت تركيا بتبني مجلس النواب الألماني قرار الاعتراف بـ"الإبادة" الأرمنية مع انتهاء حقبة السلطنة العثمانية معتبرة أنه يشكل "خطأ تاريخياً" وأنها تعتبره "باطلاً ولاغياً"، بحسب الناطق باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش. فيما أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أنَّ هذه الخطوة ستؤثر على العلاقات مع برلين.


النكران إبادةٌ ثانية


عدم تحرك المجتمع الدولي لمحاسبة كل الارتكابات التي حصلت على مرِّ التاريخ قد يكون سبباً في تكرار مثل هذه المآسي، إذ إنَّ المجازر بحق الأقليات لم تتوقف ونحن شهود على ذلك في القرن الحادي والعشرين، والأحداث الدموية الحاصلة في كلٍ من سوريا والعراق بحق المسيحيين والإيزيديين ما هي إلاَّ دليل حيّ.


"جريمة الإبادة الجماعية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: عبرٌ في سبيل الحؤول دون هذه الجريمة والحماية منها" كانت محور ندوةٍ نظّمتها الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية بالتعاون مع كل من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ومعهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، ومؤسسة حقوق الإنسان والحق الإنساني، حاول خلالها المشاركون تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعن نظام الحماية الدولية ومساهماته وتقصيره في معاقبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية عبر التاريخ. وعن كيفية الحؤول دون هذه الجريمة؟


المفوضية السامية لحقوق الإنسان عقدت في عام 2011 قمة في الرباط طرحت خلالها خطة عمل لحظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية على اعتبار أنّ الكثير من النزاعات قد تضمَّنت عنصر التحريض. توصيات لم تكن على قدر التحديات حيث واجهت الأقليات في كل من سوريا والعراق خطابات التحريض ودفع المئات حياتهم ثمناً لذلك.


"كأشخاص لا يمكن أن ننسى ويجب أن نستمر في إدراك ما حصل إذ إنَّ 1.5 مليون شخص ذبحوا بغية إلغاء قومية معينة" هذا ما يؤكده رئيس الاتحاد الخيري الأرمني العام بيرج ستراكيان في حديث لـ"النهار"، معتبراً أنَّ "مسألة العدالة التي لا يعترف بها المجتمع الدولي ولا يتابعها تعطي المجال لإبادات شبيهة أبرزها تلك التي حصلت بعد الإبادة الأرمنية مثل الحرب الأهلية في رواندا حيث كان أفراد قبيلة التوتسي ضحايا إبادة، وحملة التطهير العرقي في الحرب البوسنية. والسبب يرجع إلى غياب المحاسبة والعقاب واقتصار دور المجتمع الدولي على الاستنكار والشجب. صحيح، أنَّ الأمم المتحدة أعلنت يوم 9 كانون الأول تاريخاً عالمياً لـ"الاعتراف الدولي بالإبادة الجماعية"، ولكن بعد 100 عام على حدوث الإبادة الأرمنية لم يتغير شيء، ولم تتحمل السلطنة العثمانية المسؤولية – وهنا لسنا نتكلم عن دولة تركيا الحديثة- بل الدولة العثمانية. واستمرار النكران بحد ذاته إبادة ثانية، لقد ظنوا أنَّ النكران ينسي المأساة ولكن تبين العكس والجيل الجديد المندمج معني أكثر بهذه القضية".


محاولات لإخماد الحرائق بعد اندلاعها


"جرائم الإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية هي من أخطر الجرائم من وجهة نظر حقوق الإنسان وهي تترك أثراً يدوم ويترك ضرراً بسلامة أمن المجتمعات"، وفقاً للدكتور عبدالصمد سيد أحمد، الممثل الإقليمي لمكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في كلمةٍ له أكَّد من خلالها أنَّ "التحقق من هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها هي إجراءات أساسية لمكافحة الإفلات من العقاب وهي موضع اهتمام المجتمع الدولي. هي جريمة بموجب القانون الدولي وفقاً لاتفاقية الإبادة الجماعية الصادرة عام 1948 التي تتضمَّن أيضاً التخطيط والتآمر والتحريض أو دفع الآخرين إلى ارتكاب هذه الجريمة، وعلى الرغم من ذلك لم تمنع هذه الاتفاقية وقوع أحداث مماثلة. عوامل مباشرة ترتبط بالإبادات الجماعية وجرائم الحرب لا ينبغي التركيز عليها فقط، بل على الظروف الهيكلية والمادية العميقة أبرزها خطاب الكراهية المتزايد والمؤدي إلى التمييز والعنف كما هو الحال في العديد من دول المنطقة. وما يثير حفيظتنا كمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ونسعى لتغييره هو القبول المتزايد بالانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الإنسان. وبسبب التاريخ المليء بجرائم الإبادة التي أفلتت من العقاب، أصبح هناك اعتقاد بأنه إذا أفلت آخرون بارتكاب الإبادة الجماعية في الماضي، فلن يكون هنالك عقاب هذه المرة والمرة المقبلة. كما أنَّ جرائم الإبادة الجماعية قد شلت الوطن العربي لِهولها، وما يحدث في سوريا والعراق على سبيل المثال أكبر دليل على أن العنف الجماعي ضد المدنيين قد سبب أزمة نزوح عبرت الحدود الدولية، وغذّى عدم الاستقرار على المستوى الإقليمي، وتسبب بالضرر على الاقتصادات عبر الحدود الوطنية. الحل يكمن في إيجاد ظروف ملائمة تدفع بالإرادة السياسية لمعالجة هذه الجرائم، وتوظيف القيادة المسؤولة وتعزيز المعايير الدولية، إضافةً إلى أهمية دور المجتمع المدني في الحد من الجرائم إذ أثبت قدرته في أن يكون فاعلاً أساسياً في التغيير وفي إعلاء المعايير المطلوبة ومنع انتهاكات حقوق الإنسان. كما أنَّ للمجتمع الدولي دور لا يستهان به ونحن نتطلع لأن يكون هذا الدور حافزاً للحكومات والدول وللأسرة الدولية التي تحاول جاهدةً إخماد الحرائق بعد اندلاعها. وهذا ما يفرض بناء أنظمة ديمقراطية راسخة تحدُّ من النزاع بحيث تصبح الحاجة لتدخل الأمم المتحدة أقل".


قرن النزاعات الأكثر دموية


"عرف الشعب الأرمني كيف ينهض فوق المصائب التي ضربته، فعَمِل طوال 110 أعوام على إحياء ليس فقط ذكرى شهدائه، ولكن جميع ضحايا جرائم الإبادة الجماعية أينما وُجدوا"، بهذه العبارة حيى رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر الشعب الأرمني معتبراً أن "هذا الشعب عانى في بدايات القرن الماضي من العنف والاضطهاد والمجازر العمدية التي لامست حدَّ إبادته، وذلك بسبب إثنيته وديانته، ولكونه شعباً ذا كرامة نادرة كافح قرابة القرن ليعترف العالم بأسره بالإبادة وبشهدائه، ولإدانة من ارتكبها. وكذلك لكونه شعباً تمكَّن من انتزاع قرارٍ من منظمة الأمم المتحدة يعلن فيه يوم 9 كانون الأول من كل سنة يوماً عالمياً لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية ومكافحة هذه الجريمة". ولفت صادر إلى أنَّ "القرن العشرين الذي عُرف بقرن السرعة كان أيضاً مع الأسف قرن النزاعات الأكثر دموية التي شهدتها البشرية من حروب عالمية وعشرات ملايين القتلى، وجراء ذلك، ظهر مفهوم الجرائم الدولية من بينها الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والعدوان، والتي أضيف إليها في الآونة الأخيرة مفهوم جرائم الإرهاب الدولي، مشيراً إلى أن أكثر من 15 مليون شخص عانوا شتَّى أنواع العنف وواجهوا عمليات إبادة في مختلف أنحاء العالم".


الإبادة تبدأ بالكراهية


"كل مجزرة ليست إبادة بل إن كل إبادة هي مجزرة، كما أنَّ المجازر لا تأتي بسياق نزاعات دوماً بل من الممكن أن تحصل في زمن السلم كما في زمن الحرب" هذا ما أكَّده د. نضال جردي من مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مشدداً على أنَّ "لكل شخص الحق في العيش بانتماءات مختلفة إثنية وعرقية ودينية"، لافتاً إلى "ضرورة وضع خطة طريقة للسير عليها، ولكن التحدي يكمن في الاعتياد على التركيز على ذكرى هذه الإبادات لتصبح عادية بدلاً من البحث في كيفية محاسبة مرتكبيها. نتمنى وجود إرادة سياسية وضغط، إضافةً إلى ضرورة العمل على استراتيجية لتوفير القوانين. ويعتبر العراق مثلاً مكاناً للضغط، وسيكون من المؤسف فقدان فرصة محاسبة "داعش" لارتكابها جرائم إبادة جماعية. كما هناك حاجة إلى التكاتف على صعيد المجتمع الدولي في مسائل يقتضي العمل عليها، وعلى الصعيد القانوني أيضاً إذ إنَّ كثراً لا يعرفون ما هي الابادة الجماعية، إضافةً إلى تضافر جهود الإعلام أيضاً". إلى ذلك، اعتبر جردي أنَّ "الوقاية مهمة بمثابة العقاب، إذ إنها تُنقذ حياة الآلاف، وهنا لا بدَّ من التشديد على أنَّ الإبادة تبدأ بجريمة الكراهية، ولا تحصل من دون بثِّ الحقد والتحريض على كره الآخر وصولاً إلى قتله".


لم تتحرك الأمم المتحدة فعلياً طوال عقود وقرون، بل اقتصر دورها على الشجب والاستنكار والقلق، فيما واجه الآلاف مصيراً قاتماً من تهجير وتنكيل وسبي واعتقال وصولاً حتى القتل. فسِجِلُّ القرن الحادي والعشرين اكتسى باللون الأحمر وامتزجت معه أشلاء الضحايا ودموع المظلومين، أناس أجبروا على النزوح وآخرون على مواجهة الموت في البحر أو على الحدود أو جراء عبوة ناسفة هناك أو غارة هناك، ولكن، للأسف، مهما علَت الأصوات المطالبة بوقف الاقتتال تبقى مصالح الدول وسطوة تجار الأسلحة أقوى من دمعة طفل ولوعة أمّ وحدود أوطان دُفنَت فيها الإنسانية.


[email protected]


Twitter: @Salwabouchacra

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم