الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"الحاجات اليائسة تقود إلى الأفعال اليائسة"!

سركيس نعوم
سركيس نعوم
A+ A-

في تحليل إخباري نشره أخيراً الموقع الالكتروني MiddleEastEye، قال صحافي هولندي عاش في لبنان 20 سنة: "بعد 29 شهراً من طريق سياسية مسدودة رأى ميشال عون حلمه الرئاسي حقيقة بفضل التحوّل المفاجئ لسعد الحريري الذي رمى بثقله وراء جنرال عمره 81 سنة وعُيّن في المقابل رئيساً للحكومة. انه تحوُّل غير عادي للأحداث أن ترى الحريري الشاب "في السرير" مع الجبهة المؤيّدة لسوريا التي عارضها نحو عقد من الزمن. وهي تضم الحزب الرئيسي للشيعة في البلاد "حزب الله" الذي يقاتل إلى جانب بشار الأسد عبْر الحدود في سوريا، والمتهم خطأ أو حقيقة في اغتيال والد الحريري الرئيس الأسبق للحكومة. انه تحوّل غير عادي لكن ليس غير متوقّع كلية. فبعد كل شيء "الحاجات اليائسة تقود إلى الأفعال اليائسة". وقال الصحافي نفسه في تحليله: "فاجأ الحريري الأصدقاء والأخصام بإعلانه دعم سليمان فرنجية للرئاسة. وفرنجية إبن عائلة سياسيّة معروفة جيّداً لها علاقات حميمة مع دمشق. هذه الخطّة أعطت نتائج عكسيّة ظاهرة. فسمير جعجع كان المرشّح الرئاسي للحريري وهو عدوٌّ لفرنجية. ووصول الأخير إلى الرئاسة سيخرجه من الصورة كليّاً. فقرّر "القفز من السفينة" والانضمام إلى فريق عون / "حزب الله". بنتيجة ذلك استمرّت الطريق مسدودة أمام الرئاسة ومع حريري أكثر "انعزالاً".
هل صحيح أن ما فعله الحريري هو انتقال إلى معسكر الأسد وحليفه "حزب الله"، وكذلك ما فعله جعجع؟
المبرّرات التي استعملها الصحافي الهولندي صحيحة في صورة عامّة. والظواهر تُشير إلى صحّتها. لكن الانصاف يفترض الاعتراف بأنها خاطئة على الأقل حتى الآن. والإشارات إلى ذلك كثيرة منها أن الحريري لا يزال رافضاً بقاء سلاح "حزب الله" بعيداً من سيطرة الدولة ورافضاً استعماله من دون قرارها في الداخل والخارج، ورافضاً تدخّله العسكري في سوريا والعراق واليمن، وخائفاً من هيمنته على لبنان بعدما أصبح قوّة إقليميّة مهمّة وشريكاً فعليّاً للجمهورية الإسلاميّة في إيران. وهو لا يزال داعماً "المحكمة الخاصة بلبنان" التي تتّهم أعضاء من "الحزب" باغتيال والده. كما هو في مرحلة "ربط نزاع" معه الآن لإنهاء الشغور الرئاسي وتأليف حكومة تحافظ على الاستقرار الراهن. أمّا بالنسبة إلى سوريا فإنه لم يَقُم بأي خطوة إيجابيّة حتى الآن. علماً أنه قام بمثلها يوم كان رئيساً للحكومة بِحَضٍّ من الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز. وانتقاله من ترشيح جعجع إلى فرنجية ثم عون يؤكّد صحّة "مُبرّرات" الصحافي الهولندي. ومن الإشارات أيضاً المواقف المؤخِّرة تأليف الحكومة من فريق حلفاء سوريا وإيران الساعي إلى تشكيلة تكبّله وتجعله عاجزاً في السياسة وربما قادراً على تلبية "الحاجات".
أمّا الدكتور جعجع فإن الانتقادات التي يتعرّض لها من فريق الحلفاء نفسه، رغم ثبات تحالفه مع عون حتى الآن على الأقل، تدلّ على أنه لا يزال في "المعسكر" المعادي له محليّاً وإقليميّاً. وتدلّ أيضاً على خوف من تأثير محتمل له على "الجنرال" الرئيس مستقبلاً "يحيّده" إذا لم يُعده إلى سياساته ومواقفه السابقة. ويعزّز هذا الخوف تصرّفات الأقرب إلى "الجنرال" من مساعديه والتظاهرات الشعبية المؤيّدة له التي ذكّرت بتظاهرات الـ 1989. كما يعزّزه أيضاً خطاب القسم الذي قال بعض من في فريق حلفائه معلِّقاً عليه: "ما هذا الخطاب؟ هو خطاب كان يمكن أن يلقيه رياض سلامة لو انتخب رئيساً". ويعزّز الخوف نفسه أخيراً ما قاله الرئيس السوري بشّار الأسد في حديث صحافي له قبل أيّام قليلة تعليقاً على انتخاب عون، إذ أشاد به كثيراً في البداية. ثم قال: "الأهم من ذلك، عندما يكون هناك شخص كالرئيس العماد عون يعرف خطر الارهاب الذي يحيط بلبنان واللبنانيّين، فإنه يعرف أنه لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله وأن يتبنّى سياسة اللاسياسة أو ما سُمّيت سياسة النأي بالنفس". وأنهى الكلام ردّاً على سؤال: "الدعوة إلى زيارة دمشق تنتظر تشكيل الحكومة".
طبعاً لا يعني ذلك أن عون يفكّر في تغييرات تحالفيّة الآن. لكنه يعرف الصعوبات التي سيواجهها جرّاء حلفه مع "القوّات" وترؤس الحريري أول حكومة في ولايته. وقد عبّر عنها جزئيّاً على ما قالت إحدى الصحف قبل يومين بسؤاله جعجع في لقائه به أو تساؤله أمامه عن أسباب عدم "الاقتراب" من "حزب الله".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم