الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الدروز في لبنان إلى أين؟

هشام حمدان-سفير سابق
الدروز في لبنان إلى أين؟
الدروز في لبنان إلى أين؟
A+ A-

جمعني لقاء أخيراً مع شخصية وطنية تلعب دوراً معارضاً للسلطة السياسية القائمة في لبنان حالياً، فتحدث، بين أمور أخرى، عن "أهداف" ما سمي حركتَي "طلعت ريحتكم" و"بدنا نحاسب" التي جرت في الشارع اللبناني قبل أشهر. ومما قاله إن ذلك التحرك دفعت به الولايات المتحدة، وكان هدفه خلق حالة من الفوضى على غرار ما حصل في دول عربية أخرى، تمهيداً لتحقيق حالة تقسيمية في البلاد تنتج عنها "دويلة درزية" تشكل منطقة عازلة لاسرائيل مع الدويلات "القادمة" في سوريا والمنطقة.


تذكرتُ ما كان يقال باستمرار، ومنذ زمن الحرب "الأهلية" المشؤومة في لبنان، عن دويلة درزية تقام على الحدود ما بين اسرائيل من جهة، ولبنان وسوريا من جهة أخرى، وتجمع دروز لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة في كيان واحد يشكل منطقة عازلة لحماية اسرائيل من الدويلات الطائفية الأخرى التي كان من المفترض أن تقوم في المنطقة.
إشارة هذه الشخصية لهذا الأمر أكد لي ان موضوع التقسيم في لبنان متداول فعلاً، وذكرني بشعارات كتبت على حيطان في مناطق مثل الأشرفية عن الفيديرالية. ودفع أكثر بمخاوف لطالما راودتني عن خلفية تقسيمية للبنان لهذا التحالف الهجين بين "حزب الله" و"تيار الإصلاح والتغيير" والذي أضيف إليه مؤخراً، عامل حاسم لمصلحة أي "تقسيم" محتمل، هو المصالحة بين التيار والقوات اللبنانية الذي يعزز التضامن المسيحي في حالة التحول نحو أجواء تقسيمية في البلاد.
وعلى الرغم من أني سررت مثل غيري بانتخاب رئيس للبلاد، لا أخفي أن هذه الاشارة دفعت مجدداً لسؤال لطالما راودني كلما كنت أزور لبنان في السنوات العشرين الماضية بشأن مستقبل الدروز في هذا البلد، وقد ازداد إلحاحاً بعد عودتي إلى الوطن على ضوء ما لمسته من الحالة المزرية التي يعيشها الدروز في مناطقهم والتي جعلتهم أكثر حرماناً من الشيعة ما قبل حرب عام 1975.
أسارع لأقول إن مثل هذه التساؤلات لم تنل في حينه من عزيمتي أبداً ولا دفعتني إلى اثارتها أو البناء عليها في مخططاتي الخاصة، بل ظل إيماني بشعبي أكبر، وتابعت مسيرة حياتي اليومية التي أتجذر فيها في هذه الأرض أكثر فأكثر. كما أنها لن تنال من عزيمتي الآن، على رغم الظواهر المقلقة التي برزت مؤخراً والتي تجعل من سؤالي اكثر شرعية:
أولاً: أسال نفسي كما يسأل الآخرون لماذا استفاقت الحميّة الآن عند "الزعماء" الدروز، وخاصة "الزعيم" وئام وهاب للمطالبة بمقعد وزاري سيادي؟ لماذا لم يطالبوا أو يطالب الوزير السابق وهاب بمثل هذا المقعد في السنوات السابقة، ولا سيما خلال وصاية "الحليف" السوري؟
ثانياً: لماذا "سرايا التوحيد" الآن، والبلد يُفترض أنه يتجه الى الاسترخاء بعد انتخاب رئيس "حليف" لرئيس حزب التوحيد، كما أن المعركة مع الإرهاب في العراق وسوريا تتجه الى الحسم؟
ثالثاً: لماذا جاء إطلاق هذه "السرايا" التي تلبس القمصان السود والملثمة بعد أيام فقط من الاستعراض العسكري بالدبابات لـ"حزب الله" في القصير والذي فوجئنا كما كل الناس، أنه مرّ من دون أي رد فعل اسرائيلي؟
رابعاً: لماذا جاء كل ذلك الآن بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة وبدء مرحلة أميركية جديدة ستؤدي حتماً إلى سياسات أميركية جديدة في المنطقة؟
يرى أحد الاصدقاء أن الوزير السابق وئام وهاب استثمر كثيراً في المواقف إلى جانب سوريا، ويريد الآن أن يقطف ثمار استثماراته. والمقصود بهذا الكلام أن معالي الوزير السابق يريد أن يكرس نفسه "زعامة درزية"، فلا يُغدَر به لمصلحة الزعامة التقليدية للدروز بعد كل تلك "التضحيات" التي قام بها.
وعطفاً على هذا الرأي، تراني أسأل هل يريد الوزير السابق أن يكرس نفسه "زعامة" درزية بالقوة؟ وهل يمكن لهذه المجموعة القليلة من عناصر "سرايا التوحيد" أن تمكنه فعلاً من فرض مثل هذه الزعامة من دون دعم الحلفاء؟ أشك بذلك، ذلك أنه دون أي تحرك لعرض العضلات مخاطر ليس أقلها صدام مسلح بين الدروز، فهل هذا هو الغرض من "السرايا"؟
وإذا أخذنا بالحسبان التوجه التقسيمي القائم في البلاد والمنطقة، فإني اسأل أيضاً عما اذا كانت "السرايا" الذراع العسكري الأول لحلفاء الوزير السابق لمواجهة أي طرف درزي يسعى للاعتراض بالقوة على الواقع التقسيمي المقبل على غرار ما حصل عام 2008 عندما سعى "حزب الله" إلى فرض هيمنته على منطقتي الشوف وعاليه؟
آمل في أن أسئلتي ستذهب أدراج الرياح، مع العلم أنني أؤكد اني ومعظم الدروز لن نتخلى عن أرضنا ووطننا مهما تكن التطورات المقبلة. وإننا ما زلنا نؤمن بشعبنا الذي لا يقبل بغير لبنان وطناً نهائياً له. لكننا ندعو إلى إقران هذا الإيمان بالعمل لتكريس الوحدة الوطنية من خلال بناء نظام سياسي لا يقوم على ضمان الطوائف أولاً بل على ضمان المواطنة والمواطنية وخلق العدالة والحقوق المتساوية. العدالة بين المواطنين هي الضمانة للعدالة بين الطوائف واستمرار العيش المشترك. الشعور بالإقصاء يولد الغضب، والغضب يدفع إلى ردود فعل غير مسؤولة. لا بديل من نظام علماني مدني في البلاد يعيد للبنان بريقه الدولي ودوره الريادي كنموذج إنساني رائع لحوار الحضارات ويحقق ما قاله قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني من أن لبنان هو "رسالة".
الدروز أنجبوا كمال جنبلاط الذي قاد حركة وطنية سمحت في حينه بوضع برنامج إصلاحي علماني عام. يمكن الدروز أو غيرهم أن ينجبوا عظيماً آخر مماثلاً يقود اللبنانيين مجدداً إلى برنامج علماني عام. لا تغرنكم الظروف القائمة في المنطقة، فاللبنانيون لن يقبلوا التقسيم ولا النظام الطائفي، وحذار من مثل هذه اللعبة الاسرائيلية الأهداف لأنها ستعيدنا إلى الحروب وسفك الدماء.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم