الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

غازي الذي عاد...

بقلم زياد بارود
غازي الذي عاد...
غازي الذي عاد...
A+ A-

الى جوار ربّه عادَ غازي، بعدما ملأ دنياه نضالاً وغزا قلوب "أمهات الانتظار" (على ما عنون الإعلامي مرسيل غانم إحدى حلقات "كلام الناس") وعادهنّ في خيمة الأسى والأمل، يبادر، يستنهض، يناصر، يواجه، يحاجج ويدافع عن قضيّةٍ لم يعد غازي من آخر معاركها... أنهكه المرض، لا القضية، وافته المنيّة، لا الكلل. بغيابه، تُفتح – تكراراً - صفحةٌ لم تُطوَ بعد من صفحات اللادولة التي تركت أبناءها في مهبّ الخطف والإخفاء القسري والعفو عمّا مضى... غيابُ غازي، لا ندفن معه السؤال الذي دونه أجوبة مغيّبة قسراً، ولا هو يأخذ معه "داتا الاتصالات" التي بناها مع آخرين على مدى سنوات نضالية طويلة مضنية. بغيابه، لا تغيب وصيته ولا إرثه ولا ما وهب من حوله من تصميم وإصرار على المتابعة... حتى الرمق الأخير.


 


منذ قانون العفو (المطعون فيه... أخلاقيا!) الصادر عام 1991 وما شابَهُ من "عدالة" إنتقائية بدل أن تكون انتقالية، استمرّت مرارة الحرب في نفوس مواطنين فقدوا أحبّاء لهم وأقارب وأصدقاء، ولم يجدوا دولةً راعية تدفع في اتجاه حقّهم في معرفة مصير هؤلاء "المخفيين قسرا"، على حدّ تعبير القانون الدولي. بقي الملف معلّقا، بل مغيّبا هو أيضاً عن الأولويات. حتى اتفاق الطائف أغفل التطرّق إلى الموضوع، وكذلك فعلت حكوماتٌ متعاقبة. ومع ذلك، بقي غازي ووداد حلواني وجمعيات وأمهات وآخرون كثر، يرفعون الصوت في مواجهة الصمت الرسمي. نجحوا حيناً في فرض إنشاء لجنة أمنية، وتوفقوا حينا آخر بلجنة وزارية - قضائية - أمنية، وأُحبطوا أحياناً كثيرة... ولكنهم لم ييأسوا يوماً: غازي مثالاً...
أما ونحن في مستهلّ عهدٍ منطلق، وعلى رأسه من نعى غازي لأنه يعرف نضاله، فالأمل معقود على الانتقال بالملف من حيّز المطالبة المحقّة إلى حيّز الأجوبة المؤجّلة، مهما كانت مريرة وصعبة. المأمول:



1 - إخراج الملف من دائرة التجاذب السياسي واعتباره ملفاً وطنياً بامتياز، باعتبار أن المصالحة والحق في المعرفة لا يتعارضان بل يلتقيان ويتكاملان.
2 - إبرام الاتفاق الدولي لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي اعتمدته الامم المتحدة عام 2006.
3 - إقرار مشروع القانون المتعلق بإدارة المعلومات البيولوجية (DNA).
4 - إقرار إقتراح قانون إنشاء الهيئة الوطنية لشؤون المفقودين وضحايا الاختفاء القسري الذي قدّمه النائبين غسان مخيبر وحكمت ديب.



هكذا يكون ذكرُ غازي مؤبّدا، على ما يقول الترنيم، وإلاّ، يكون غازي قد رحل غير مطمئن وتكون ذكراه ألماً مضاعفاً...
في مؤتمر بعنوان "ذاكرة للغد" انعقد عام 2001، قال غسان سلامه، وزير الثقافة في حينه: "إن مطالبة أهالي المفقودين بإقفال ملفّهم، مهما كان اليأس يغلّفه، هي مطالبة غير محقّة ما لم نعطِ أهل كل مفقود الضمان أن ما حصل لن يتكرّر وأن إبن المفقود لن يهدد بالفقدان بدوره. آنذاك، فقط آنذاك، يتمكّن إبن المقتول، إبن المفقود أو إبن المختطف أن يمارس حقه بالنسيان، وهو ليس صفحاً، إنما قلبٌ لصفحة مريرة من الماضي تسمح برؤية أكثر هناء للمستقبل. فالمصالحة مع الماضي شرط من شروط تملّك الحاضر العابر، وهي أيضاً شرط من شروط بناء المستقبل"... غازي عاد، لك التحية ولك الشكر ولك طيب الذكرى...

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم