الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ملحم بركات عدَّل الأمزجة وأتعبه مزاجه: "الكيِّيف" الحزين هدأ

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
ملحم بركات عدَّل الأمزجة وأتعبه مزاجه: "الكيِّيف" الحزين هدأ
ملحم بركات عدَّل الأمزجة وأتعبه مزاجه: "الكيِّيف" الحزين هدأ
A+ A-

البعض أفرادٌ لا يخيفهم الموت بعد اضطراب العُمر. #ملحم_بركات منهم، تمعَّن بأنّات الوجع وتوتُّر المراحل الأخيرة، وأذعن. وإذ دنا الموت بعد مِحنة السرطان، قرأه بفلسفة عميقة: لا مفرّ من الأقدار. لا مهرب من الخلاص البشري. أحاطه كثرٌ، ودعمه أحبّة، وهو في العُمق متوحّش الذات، غريب الوحدة. سبق أن أفرغ غضبه، وأظهر لناسه "الوجه الآخر"، وجه الإنسان القلق، غير المرتاح، الموجوع بتردّي الإنسانية. تسرّعنا في اللوم، مُقصّرين في تفهّم الموسيقار وأمزجته الكثيفة، أمزجة الفنان القابل للتقلّب والتبدّل. لم يكن يوماً إلا هو، بلسانه وسلوكه وسوداويته المُتعِبة. هو حتى اللحظة الأخيرة، النَفَس الأخير ثم الرحيل.


يعلم المريض أنّ الموت يحوم حوله، يُذكّره بأنّ النهاية وشيكة. فاضت بعض الصحافة بالتهوّر في نقل أخبار الموسيقار وبالنسخ من دون حذر. وغلب السعي إلى السَبَق الأدبيات الإنسانية. شاء إخفاء مرضه، وعدم التحوّل اسماً يتلهّى الفارغون به. لم يقل بداية إنّه السرطان. أنكره موقتاً. خفّف وَقْعه، وعزا وجوده في المستشفى إلى أوجاع في الظهر. جبّار حتى في إخفاء الحقيقة. ثم لم يعد من مفرّ. السرطان هو السرطان، والأيام لم تعد طويلة. الجوّ قاتم، يُنذر بخسارة كبيرة، يُمهّد للفقد، ورغم ذلك حلّت الصدمة مع انتشار الخبر. بدا موته عقاباً لنا، نحن غير المتفهّمين تقلّباته، المُتسرّعين في ملامته ورفض سلوكه. عقاب زمنٍ قاسٍ، لم يترك للفرادة حيّزاً. رحل لأنّ الرحيل أعمق. لأنّ الحياة ومضة ثقيلة.


رحل بحزن، بخيبة الفنانين الكبار بعد التماس البشاعات الصغيرة. أحبّه كثر، ولازموه سرير الوداع، لكنّه غادر موجوعاً بالضجر. ملحم بركات جمع الضدّين: "الكَيْف" والسوادوية. عاش العُمر وملَّه. كان له التنفُّس والاختناق، الإرادة والعدم. ثمة نفوس لا تبلغ السعادة فتُبقيها مثالاً مُشتهى. واستحالة. ملحم بركات لم تمنحه الشهرة بهجات عميقة، ولا ربما الزواج والأولاد. نِعَمٌ هدّأت اضطراب المرء المُتعَب في أعماقه، لكنّها لم تُضمّد الأوجاع وتُشفيها. وإن صمَّم لوهلة محاربة آلام الجسد، وتصدّى للسرطان بلعبة كباش صعبة، تحايل عليه القلب وباغتته النفس الحزينة، فكان الموت النتيجة. موتٌ هو تجلٍّ مطلق لضجره وشعوره بضريبة العيش. وبتكدُّس الحزن النابع من أسى الوجود الإنساني الذي يحسمه الرحيل بلحظة.


رحل الموسيقار غاضباً. غضب الاستخفاف بكلّ شيء، وفي آنٍ الإحساس بالثقل. انتشرت له أخيراً نهفات التأييد السياسي بالشتيمة وإضحاك الناس. كما انتشر له على الدوام تأييده نظام بشار الأسد واتهام معارضيه بالشرّ. ملحم بركات مزاجٌ في قراءة الحياة وفهمهما، يؤيّد ويرفض وفق الأحوال. وهو منذ خلافاته المالية مع نجوى كرم، وانتشار أخبارٍ "غريبة" عنه، رجلٌ يطارده التعب. راقه شرود الذهن ومفاجأة المقرّبين بالمرح. لم يقوَ على ضبط رأسه، هو وإياه في عناد مستمرّ، وتصادم. ولعلّ السرطان لم يكن صانع موته، بل إرهاق الرأس وتحميل القلب فوق طاقته. قتلته اللاسعادة والإحساس طوال الوقت بالعذاب، منذ السرطان وربما من قبل. تحلّى بلسانٍ صدَّ به لحظات الضعف، وتركه على سجيته يتحكّم به. لم يعترف بالتزامات حيال ما يجب وما لا يجب. هو واضع قوانينه ومُحدِّد أيّ السلوك يراه "الصحّ" وأيّه "الخطأ". سلواه اللحن والأغنية، قاوم بهما تسلّل الكآبات إليه، فعشق "الكَيْف" في وجه هجمة الوجع. سيّد حفلاته ومُتقِن إيقاعاتها، يُبهِج جمهوره ويرفعه إلى وضعية "الحالة". مزاجٌ يعدّل الأمزجة وإن غنّى الـ"واوا وا". كأنّه نشوة الكأس والارتفاع عن الأرض.


[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم