الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الجنرال على مشارف القصر... أي "بورتريه"؟

زياد حرفوش
الجنرال على مشارف القصر... أي "بورتريه"؟
الجنرال على مشارف القصر... أي "بورتريه"؟
A+ A-

على مشارف قصر بعبدا، وعلى شفا رئاسة كادت تملّ انتظار من يملأ شغورها، يُلحّ السؤال: من هو الآتي اليها من غبار أكثر من ربع قرن حروبا عسكرية ومعارك سياسية؟ أي بورتريه يمكن أن يشبه ميشال عون؟ هل هو القائد العسكري؟ السياسي؟ المحارب؟ المفاوض الشرس؟ الطامح الدائم؟ الرئيس القوي؟ الزعيم؟ المعارض أبدا؟ المغامر؟ العنيد؟ المنكسر عسكريا بالأمس والمنتصر سياسيا اليوم؟ الأنا أو لا أحد؟ الغاضب حتى بلوغ مأربه؟


من يكون ابن حارة حريك، خرّيج المؤسسة العسكرية في منتصف الخمسينيات، وقائدها في منتصف الثمانينيات، المتمرد على الشرعية وفق خصومه والأعداء، والمتجرّد من كل أنانية وأهواء وفق المناصرين؟
بالأمس تخلّى عنه المجتمع الدولي بأسره، حتى الفاتيكان لم يرفع سماعة الهاتف ليرد عليه صبيحة 13 تشرين الأول 1990، واليوم تحلّى الجميع بفضيلة "التضحية"، وتولّى أقربون كما أبعدون تزيين وصوله الى الرئاسة، أو أقله تليين معارضتهم له. من يكون هذا الآتي باسم الحلّ، والخالط الأوراق لدى الكلّ، 8 و14 آذار، والواصل بأصوات من هؤلاء وأولئك؟ شخص في شخصيات كثيرة؟
في البدء كان الرفض. "إن قيادة الجيش لا يسعها القبول بمبدأ التعيين في رئاسة الجمهورية". رسمت هذه الجملة حدا فاصلا بين الحياة العسكرية لقائد الجيش عام 1988 العماد ميشال عون، يوم رفض معادلة "مخايل ضاهر أو الفوضى"، ومسيرة سياسية وزعامتية أسست لعهد الطائف الذي أرسله الى المنفى بإرادة دولية عارمة.
لم يعرف تاريخ لبنان الحديث شخصية عسكرية أو سياسية مثار جدل أكثر من العماد عون. حمّال أوجه بأدائه السياسي في عيون المراقب المحايد، ومُهدر فرص ومغامر في حساب مناوئيه وخصومه، والمنقذ من الضلال – ونكاد نقولها الموصل الى ذي العزة والجلال – في اعتقاد قادريه وجمهوره العريض. لا يرتوي من الدماء في معركة، ولا يرعوي في منازلة.
لكن الثابت والجليّ، باعتراف هؤلاء جميعا، أنه عماد العناد، والسائر على حبل الأخطار المشدود، والمقاتل حتى الرمق الأخير، انتصارا أو انكسارا، لا فرق، المهمّ حتى الرمق الأخير. ينكسر ولا يلين.
خلع بزته العسكرية ذات 13 تشرين الأول 1990 وسلّم الى العماد اميل لحود قيادة الجيش، لكنه لم يسلّم بالنهاية. دفع 15 سنة نفيا ثمن عناده ورفضه الطائف، ليقبض أثمان عودته بعد انسحاب الجيش السوري، تكتلا نيابيا عريضا وتمثيلا مسيحيا كاسحا واعترافا بحيثيته المتجددة، العائدة هذه المرة بلباس نيابي وحكومي لا غبار على شرعيته، وبلبوس رئاسي رافقه من أيام قيادة الجيش.
وكما كانت شخصيته العسكرية مثار جدل وموضع انقسام، أحدث تعاطيه السياسي وتحالفاته النيابية وتفاهمه لاحقا مع "حزب الله" زلزالا سياسيا استمرت تردداته عشرة أعوام.
وعادت الفئات الثلاث إياها، المراقبون والمناوئون والمريدون، لتضع تحت المجهر مسيرته المتجددة. المراقبون، بعضهم صفّق له وشدّ على يده، وبعضهم عاب عليه أداءه وأخذ عليه نزقه السياسي، ثم مال عنه وانصرف الى التفتيش عن أخطائه وخطاياه عسكريا وسياسيا. والخصوم اشتدت معارضتهم له وتعاظمت، فصوّروه متلونا ووصوليا، شيمته التقلّب والإخلاف، واقتناص الأحلاف للوصول، مهما تكن الأكلاف. والمناصرون الخُلّص التصقوا بخياراته أكثر فأكثر، وإن يكن بعضهم عدّى على مضض ما لم يرقه، وعدّ له انتصارا ما عدا ذلك. على أن الثابت الوحيد، أيضا وأيضا، كان عناد العماد، والمقارعة حتى الرمق الأخير، بالغا ما بلغ الثمن.
وها هو بعد عشر سنوات لبنانية مضافة الى الخمس عشرة فرنسية، يدفع أثمان مواقفه وتحالفاته وتفاهماته، خصومات سياسية وغليانا شارعيا، ليقبض مرة أخرى ثمن عناده، رئاسةً لم تكن لتؤول اليه لولا رأسا جسر 14 آذار، عدوه الأشرس في زمن الحرب وخصمه السياسي الأول في زمن السلم سمير جعجع، وخصمه الآخر الرئيس سعد الحريري. وتزامنا، دفع العماد على مشارف القصر الجمهوري، ثمن تمسكه بطموحه، انتكاسة مع حليفيه رئيس مجلس النواب نبيه بري، رأس الجسر أيضا في 8 آذار، والنائب الطامح الى الرئاسة سليمان فرنجية.
هذه المسيرة التي بدأت نفيا في 13 تشرين الاول 1990 من باب ناقلة جند، تستقر رئاسيا في باب القصر الجمهوري في 31 تشرين الاول 2016.
قبل ربع قرن قيل إنه جنرال ربع الساعة الأخير، واليوم يقال إنه الخيار الأخير قبل خراب البصرة. كم هي حافلة بالمفارقات أيام هذا الرجل، سيرة ومسيرة.
أما وقد يمّم شطر القصر الجمهوري، فيفترض أن تنطلق مسيرة جديدة له، ويُرسم بورتريه رئاسي لا يشبه العسكري ولا السياسي ولا الشعبي. المحركات شغالة لانطلاق العهد، والسنوات الست وراء الباب، فلتحكم له، أو عليه. ولكن مهلاً، لا يفُت أحدا من الخصوم أو المؤيدين أو المراقبين، أن سنيّ عهده ستكون أكثر صعوبة بما لا يقاس من ثلاثين سنة مضت، بحربها وسلمها وما تخلّلهما من استراحات وهُدن.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم