الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

هكذا علّلت محكمة التمييز الجزائية قبولها نقض الحكم في قضية قتل منال عاصي

المصدر: خاص - "النهار"
كلوديت سركيس
كلوديت سركيس
هكذا علّلت محكمة التمييز الجزائية قبولها نقض الحكم في قضية قتل منال عاصي
هكذا علّلت محكمة التمييز الجزائية قبولها نقض الحكم في قضية قتل منال عاصي
A+ A-

أخذت محكمة التمييز العسكرية في قرارها الذي اصدرته برئاسة القاضية سهير الحركة، بنقض الحكم في ملف قضية مقتل منال عاصي الموقوف فيها زوجها محمد النحيلي، برأي النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود تبعا لما أورده في طعنه بهذا الحكم. واعتبرت المحكمة ان محكمة الجنايات أخطأت في تفسير احكام المادة 252 في قانون العقوبات، التي تنصّ على العذر المخفّف للعقوبة، وفي تطبيقها. وطلبت القاضي حمود تطبيق الفقرة الرابعة من المادة 549 في قانون العقوبات التي تنص على القتل العَمْد، معطوفة على المادة 189 منه بحق النحيلي.


ماذا جاء في تعليل محكمة التمييز لقبولها نقض الحكم وإعادة المحاكمة في قضية منال عاصي؟
حيث ان المستدعية تأخذ على الحكم المميّز سندا الى الفقرة ب من المادة 296 من قانون اصول المحاكمات الجزائية الخطأ القانوني في تفسير وتطبيق المادة 252 من قانون العقوبات، مدلية ان الحكم المطعون فيه، انتهى الى تجريم المميز ضده بمقتضى احكام المادة 549 ، فقرة 4 في قانون العقوبات على المادة 189 منه، ثم اعتبر فعله حاصلا تحت وطأة الغضب الشديد والانفعال، بينما سيطر الانفعال الشديد على المتهم وأصبح بحالة غضب شديد نتيجة اكتشافه خيانة زوجته له، الا ان هذا الانفعال لم يصل الى حد فقدان الوعي والارادة، اذ لم يتبيّن من وقائع القضية ومن التحقيقات انه كان منعدم الوعي والارادة وتحت وطأة الغضب الشديد طيلة فترة قيامه بضرب وتعنيف وتعذيب زوجته وممارسة اعمالًا شرسة ضدها، وهذا ثابت من الوقائع التي وردت في باب الادلة والقانون، التي استندت اليها محكمة الجنايات للقضاء بالادانة، اذ يتبين من ضمن الوقائع التي عرضتها محكمة الجنايات، ان عملية الضرب والتعنيف والشراسة بدأت تحت تأثير الغضب الشديد والانفعال، وفي مرحلة ما خرج مرة اولى من المنزل ليعود ويتابع الضرب، ثم خرج مرة ثانية ليتكلم مع جاره ليعود ويرفض اسعاف زوجته، ثم خرج وأقفل الباب عليها وعلى والدتها، وذهب لشرب القهوة مع والدته وجاره تاركا المغدورة وحيدة مع والدتها في المنزل بعد اقفال الباب عليهما ما يقارب الساعتين من دون تقديم الاسعاف لها، متوقعا نتيجة ضربه وعنفه وشراسته وقابلا بالمخاطرة، مما يستدل انه لم يكن طوال هذه الفترة في ثورة الغضب العارمة التي من شأنها إضعاف سيطرته على ارادته، فتكون شروط اعمال العذر المخفف غير متوفرة في القضية، وإن المحكمة بقضائها بتحققه تكون قد اخطأت في تفسير وتطبيق احكام المادة 252 في قانون العقوبات.
وحيث بالعودة الى الحكم المطعون فيه تبين ان محكمة الجنايات بعد ان عرضت وقائع القضية كما استقتها من مجمل التحقيقات ومجريات المحاكمة امامها، توصلت الى القول في باب القانون وتقدير الادلة انه تأكد لها بشكل جازم وفي ضوء الظروف التي عرضتها، ان المتهم توقع نتيجة فعله وقبل المخاطرة وترك زوجته وحيدة مع والدتها في المنزل بعد اقفال الباب عليها ما يقارب الساعتين من دون تقديم الاسعاف لها ما يوفّر في حقّه الجرم القصدي وفقا لمفهوم المادة 189 في قانون العقوبات. ثم عادت لتعتبر انه ثبت لها "من خلال معطيات الملف واستجواب المتهم ان هذا الاخير هو من جهة شخص انفعالي يثور بسرعة ولا يتمالك اعصابه، ومن جهة اخرى هو شخص متديّن يفتح بيته لتتمكّن زوجته من اقامة حلقات "الذكر" واعطاء الدروس الدينية سواء في البيت او لدى شقيقة و. ح. وقد هاله اكتشاف الحقيقة الجارحة فاتصل فورا بالاخير الذي لم يرد عليه، ما أثار غضبه وقد استشاط غيظا اكثر حين اتصال شقيقة و. ح. فرد عليها مؤكدا لها انه سيقتل شقيقها وسيشرب من دمه. فأكمل ضربه لزوجته وكان في حالة عصبية هستيرية وفقا لما جاء في افادة ع .ع. الاستنطاقية. وان المحكمة ترى في ضوء ما هو مبين اعلاه ان شروط المادة 252 في قانون العقوبات متوفرة في فعل المتّهم فيستفيد من العذر المخفف.
وحيث ان هناك فرقًا في ماهية كل من "العذر"المنصوص عليه في المادة 252 في قانون العقوبات و"السبب التخفيفي" المنصوص عليه في المادة 251 في القانون نفسه. فالأول هو "عذر قانوني" نصّ عليه المشرِّع فيكون من اللازم على المحكمة تطبيقه في حال وجدت شروطه القانونية متوفرة، اما الثاني فهو متروك لتقدير المحكمة اذا ارتأت منحه او عدم منحه للمتهم وفقا لسلطتها المطلقة، وغير الخاضعة لرقابة محكمة التمييز.
وحيث انه تأسيسا على ذلك فإنه في حال كانت العناصر المؤلفة للعذر المنصوص عليه في المادة 252 في قانون العقوبات غير متحققة، يكون لمحكمة التمييز الحق في رقابة تحقّق شروطه القانونية. وحيث انه بمقتضى المادة 252 في قانون العقوبات "يستفيد من العذر المخفّف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج من عمل غير محقّ وعلى جانب من الخطورة اتاه المجنى عليه". وحيث ان المشرع اللبناني لم يأخذ بحالات الغضب والانفعال والعواطف القوية كمانع من موانع المسؤولية الجزائية، غير انه اعتبر، عندما يكون الشخص بحالة غضب شديد وقت ارتكاب الجريمة فإن ذلك لا يؤثر في مسؤوليته الا اذا كان الفعل مرتكبا نتيجة استفزاز المجنى عليه في حالة الغضب الشديد.
وحيث ان تحديد عنصر الغضب الشديد يعود تقديره الى محاكم الاساس بسلطتها المطلقة وهي تتعلق بأمور واقعية لا تخضع لرقابة محكمة التمييز، ولكن يكون الامر خلاف ذلك عندما تكون محكمة الاساس في اطار تقديرها للعناصر الواقعية التي توفر الحالة المنصوص عليها في المادة 252، قد اخطأت في تفسيرها وتطبيقها .
وحيث بالعودة الى الحكم المطعون فيه، وما جاء فيه من تعليل، تبين ان محكمة الجنايات اعتبرت من ناحية، ان المتهم ارتكب جناية القتل بالشراسة والتعذيب وكان قصده في ارتكابها احتماليا. وبما ان المادة 189 في قانون العقوبات تنص على انه تُعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل او عدم الفعل قصد الفاعل اذا كان قد توقع حصولها وقَبِل بالمخاطرة، مما يستتبع حتما ان الفاعل في القصد الاحتمالي كان يملك الارادة الواعية لما يرتكبه من فعل مادي وما سيؤدي اليه هذا الفعل إن باشره واستمر به قابلا بالنتيجة ايا تكن. وحيث ان محكمة الجنايات اعتبرت ان المتهم محققا فعله في جناية المادة 549 في قانون العقوبات، فقرة رابعة، باقدامه على قتل زوجته المغدورة منال عاصي بطريق القصد الاحتمالي، ثم عادت لتعتبر حالة العذر المنصوص عليها في المادة 252 في قانون العقوبات منطبقة على حالته. وحيث ان محكمة الجنايات اذ اعتبرت المتهم قد توقع موت زوجته بفعل اقدامه على ضربها بتلك الشراسة وضروب التعذيب قابلا المخاطرة، وفقا لما استثبتته من معطيات وفي حال صحة ذلك، فقد اعتبرته عند ارتكاب الفعل واعيا لما يقوم به، وأن ارادته قد اتجهت الى قبول نتيجة هذا الفعل ايا تكن، وهو امر لا يأتلف مع اعتباره تبعا لما قدّرته من ظروف القضية، وفي حال ثبت ذلك، انه عند ارتكاب فعله، كان في حالة من الانفعال والغضب الشديد الى حد الحالة العصبية الهستيرية، وفقا لمفهوم المادة 252 في قانون العقوبات.
وتأسيسا على ما تقدم من تعليل، تكون محكمة الجنايات في حكمها المطعون فيه تبعا لما عرضته من معطيات، وما رتبته من نتيجة قانونية عليها، قد أخطأت في تفسير احكام المادة 252 في قانون العقوبات وفي تطبيقها، فاستوجب النقض.
وفي ضوء النتيجة المتقدمة، وبعد قبول تمييز النيابة العامة العسكرية، يكون الاستدعاء التمييزي المقدم من المستدعي المحكوم عليه محمد النحيلي مقبولا في الاساس، وذلك لعلّة التلازم، بدون حاجة الى بحث الاسباب المثارة منه.
وحيث ان النيابة العامة التمييزية طلبت تطبيق احكام المادة 549 /4 في قانون العقوبات معطوفة على المادة 189 منه بحق المستدعي ضده، بينما طبّق الحكم المطعون فيه احكام المادة 252 في قانون العقوبات في حقه، ما يقتضي ردّ ما ادلى به المستدعى ضده النحيلي في شأن عدم تقديم اي طلب جدي بعد النقض من النيابة العامة التمييزية.
لذلك تقرر: اولا: قبول طلبَي النقض شكلًا واساسًا ونقض الحكم المطعون فيه ورؤية الدعوى مجددا وفقا للاصول وتعيين الاول من كانون الاول المقبل موعدا لاجراء المحاكمة.
وكان وكيل النحيلي المحامي احمد بدران رام في طلب نقض حكم الجنايات اعتبار فعل موكله من قبيل الجرم المنصوص عليه في المادة 550 في قانون العقوبات (التسبّب بالوفادة ومنحه العذر المخفف وفقا للمادة 252 في قانون العقوبات.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم