الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

التعليم مصدر ثروة لبريطانيا مهدد ومصدر منسي في لبنان

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

بعد نتائج استفتاء البريطانيين حول الاستمرار في عضوية الاتحاد الاوروبي أو الخروج منه، ونيل الراغبين في الخروج غالبية بنسبة 52 في المئة من المقترعين، وبعد اعلان الحكومة الجديدة البدء بمحادثات الانفصال في شهر آذار المقبل، والتي ينتظر ان تستغرق سنتين على الاقل، بدأت تظهر التأثيرات السلبية للاستغناء، كما ظهرت اعتراضات قانونية على قرار الحكومة تؤكد ضرورة عدم الاكتفاء بهذا القرار وتصويت البرلمان على الامر. وهنالك دعويان امام المحكمة العليا في بريطانيا تطالبان باعادة حق قرار الخروج الى البرلمان، ويفترض اصدار قرار أواسط شهر كانون الاول المقبل.


اذا صدر قرار عن المحكمة العليا يفترض العودة الى البرلمان، قد ينقلب الوضع تمامًا وحينئذٍ اذا اعترضت الحكومة على قرار المحكمة العليا، تصير قضية القرار متعلقة بتفسير الدستور، والدستور البريطاني غير مكتوب التزام الدستور تعود الى السوابق على هذا المستوى وهي قليلة. وما يمكن قوله حالياً إن الموضوع معقد، وان توقعات الخروج التي لا تزال طاغية لدى غالبية أعضاء الحكومة اخذت بالتأثير السلبي على الاقتصاد البريطاني.
وتتجلى مظاهر التأثير السلبي في انخفاض سعر صرف الجنيه الاسترليني بنسبة17 في المئة خلال الشهرين المنصرمين. وبالطبع هنالك من يعتبرون هذه الظاهرة صحية لانها تساهم في زيادة القدرة التنافسية للصادرات من بريطانيا، لكن هذا الرأي يتجاوز نسبة المستوردات الضرورية للتصنيع التي ترتفع تكاليفها مع انخفاض سعر صرف الجنيه. وعلى صعيد الاستهلاك الفردي انخفضت معدلاته بسرعة خلال الشهرين المنصرمين، كما برزت مؤشرات التضخم، وبيوتات المال التي تركز أعمالها في لندن، حيث كانت سوق المال الرئيسية في العالم، اخذت تعيد حساباتها، وظهر ذلك في تسريح أحد أكبر مصارف الاعمال الاميركية المتمركز في لندن 300 من العاملين فيه.
لقد ارتبط قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي بموضوع اعداد الوافدين الى بريطانيا للعمل أو اللجوء من الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي مثل بولونيا ورومانيا، وكان هنالك تذمر من اعداد هؤلاء شجع على قرار الخروج. هذا مع العلم ان من اقاموا في بريطانيا من مواطني الاتحاد الاوروبي قبل قرار الانسحاب، لهم الحق في الاستمرار في الاقامة والعمل، شرط المعاملة بالمثل بالنسبة الى البريطانيين المقيمين والعاملين في دول الاتحاد الاوروبي.
وشرعت وزيرة الداخلية السيدة أمبرود في التشدد في فرض القيود على الوافدين الى بريطانيا، ونشرت مجلة "الإيكونوميست" في 14 تشرين الأول الجاري مقالاً عنوانه يبين محتواه وهو Asta-La-Vista أي وداعاً، يناقش سياسات وزيرة الداخلية بالنسبة الى الفيزا وشروط انتساب الطلاب الوافدين لتلقي العلم والاستفادة من مستوياته الجيدة في بريطانيا. وفي مقدم شروط، اصبحت اصدار الفيزا مقابل 1000 دولار تقريبًا، واثبات كون الطالب يملك حساباً يساوي 15 الف دولار، ما عدا الاقساط وكلفة الاقامة، كما فرض على كل طالب رسم تأمين صحي مقداره 150 جنيهاً وألغي التسهيل الذي كان قائماً والذي كان يفسح لخريجي الجامعات في اختصاصات محددة في الاقامة سنتين بعد التخرج في بريطانيا للبحث عن عمل مناسب.
وفي رأي "الايكونوميست" ان الشروط التقييدية الجديدة قد تحد الى حد بعيد من اقبال الطلاب الاجانب على معاهد التعليم في بريطانيا، وأخصها الجامعات، وبلغ عدد الطلاب الاجانب في بريطانيا عام 2015، أكثر من 420 الفاً، منهم 100 الف طالب من دول الاتحاد الاوروبي والآخرون من دول اخرى. وأكبر عدد من بلد معين هو من الصين، وقد بلغ 91 الف طالب، اما عدد الطلاب من الهند فقد بلغ 41 الف طالب لكنه انخفض منذ مطلع هذه السنة وخصوصاً بعد قرار الخروج من الاتحاد الاوروبي الى 11 الف طالب.
يشير مقال "الايكونوميست" الى ان دخل بريطانيا من الطلاب الاجانب عام 2015 تجاوز سبعة مليارات جنيه أي ما كان يوازي قبل انخفاض سعر الجنيه بنسبة 17 في المئة أكثر من تسعة مليارات دولار، واليوم توازي 8.6 مليارات دولار، وهذا رقم مهم حتى للاقتصاد البريطاني. ويدعو المقال وزيرة الداخلية الى التعقّل لئلا تخسر بريطانيا ميزة جذب الطلاب الاجانب، خصوصاً ان هنالك دولاً ذات مستويات علمية رفيعة بدأت تنافس بريطانيا، ومن هذه كندا واوستراليا حيث تكاليف الاقساط تمثل 50 في المئة مما هي في بريطانيا، وشروط الانتساب أسهل، وكذلك الامر في المانيا التي بدأت تقر استعمال اللغة الانكليزية على نطاق واسع في جامعاتها. والجامعات الالمانية الحكومية، التي تضاهي مستوياتها مستويات الجامعات البريطانية هي جامعات مجانية للألمان والاجانب المقبول انتسابهم.
بعد كل هذا الكلام عن بريطانيا، وتعليم الاجانب والمنافع الاقتصادية وضرورة المحافظة عليها، أين نحن في لبنان من هذه القضية؟
لبنان كان مركز التعليم الاميز في منطقة الشرق الاوسط حتى بداية الحرب بين الفلسطينيين واللبنانيين ومن بعد السوريين، وكانت استفادة لبنان من توافد الطلاب غير اللبنانيين الى معاهد التدريس الثانوية والجامعية كبيرة، كما ان حركة الاستشفاء التي لا تزال ناشطة الى حد ما، كانت من دعائم اكتسابات اللبنانيين.
الإسرائيليون عندما احتلوا الشويفات، دفعوا أصحاب مدرسة شارلي سعد، أي مدرسة الشويفات الوطنية، الى البحث عن مجالات لاستمرار جهودهم، وتوصلوا مع آل بستاني الى شهرة عالمية لمؤسساتهم التعليمية، أي SABIS، وقد اصبحت هذه المجموعة التثقيفية تدير أكثر من 35 مدرسة تعليمية في مختلف بلاد العالم، منها أكثر من 20 مدرسة لولايات اميركية لزمت تشغيلها وبرامجها لمجموعة SABIS وحققت نتائج لم تكن متوافرة سابقًاً والمجموعة اللبنانية انجزت كلية للدراسة الثانوية لابناء موظفي المصرف المركزي الاوروبي، ولديها مدارس في جميع العواصم العربية في المشرق العربي، وقد سمحت لها نتائج عملها ونجاحها بافتتاح مدرسة مجانية لـ300 تلميذ في لبنان، مساهمتها في تقبل وتثقيف ابناء المهجرين. ومجموع دخل هذه المؤسسة الدراسية العالمية والتي توفر العلم والمستويات الجيدة لـ75 الف طالب يتجاوز سنويًا البليون دولار.
لو نعم لبنان بالاستقرار، كم SABIS يكون لنا، وفي حال الاستقرار ألا تصبح جامعاتنا المراكز المتصدرة عربيًا والى حد ما دولياً؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم