الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

وهم جواز السفر الاوروبي أقوى من الغرق ومخيمات الذل

المصدر: اليونان - "النهار"
رلى معوض
وهم جواز السفر الاوروبي أقوى من الغرق ومخيمات الذل
وهم جواز السفر الاوروبي أقوى من الغرق ومخيمات الذل
A+ A-

في منتصف ليلة عاصفة أول نيسان الماضي، المطر كثيف والطريق وعرة موحلة، وفدى تسير وراء "المهرب" ومعها أولادها الثلاثة الصغار بينهم وليد الذي يعاني من التوحد القوي ومن التأخر، الوجهة المانيا إنما الطريق محفوف بالمخاطر والموت، والوصول غير مؤكد. فهي الى الآن لا زالت عالقة تنتظر في مخيم "بيكبا" على جزيرة ليسبوس اليونانية لتلاقي زوجها بعدما نجت من الغرق مرتين ومن الموت مرات. وهم جواز السفر واللجوء الاوروبي حفزاها لتبدأ حياة آمنة جديدة.


على الرغم من الضائقة الاقتصادية التي يمر بها اليونان، إلا ان هذا البلد المضياف فتح ذراعيه لاستقبال عدد من اللاجئين السوريين والعراقيين والافغان وغيرهم، في مخيمات ابرزها مخيم "بيكبا" النموذجي الذي انشأته الناشطة في حقوق الانسان ايفي لاتسودي وحصلت مناصفة مع كونستانتينوس ميتراغاس ممثلاً فريق الانقاذ اليوناني على "جائزة" نانسن للاجئ" للسنة 2016 والتي تمنحها المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين.
مخيمها تحفة انسانية فيه من جميع الجنسيات خصوصاً النساء والاولاد والاطفال الذين يعانون من العنف والامراض. مدخل هذا المكان المتواضع اختصر المعاناة، فمعظم الذين غرقوا منهم كانوا يرتدون سترات نجاة مزيفة أدت الى غرقهم، فرسم الاولاد على احدى السترات وجهاً مبتسماً وعلى اخرى أحرفاً بالانكليزية رمزت الى "الممر الآمن" وهذا كل ما يبحثون عنه. في المكان خيم وبعض المباني القديمة وأراجيح كانت في السابق تستمتع بضحكات اولاد المخيم الصيفي، أما اليوم فتحتضن جراح أـترابهم اللاجئين الهاربين من اتون حروب بلادهم وحكوماتهم البليدة القاتلة. المخيم زيّنه ساكنوه برسوم على الحيطان والارض وزرعوا الزهور حول خيمهم كأنهم في بيتهم، فهم عالقون منذ اكثر من 7 اشهر ومن يحالفه الحظ يتوجه الى اثينا لمقابلة مع المعنيين ليغادر الىى اوروبا وخصوصاً المانيا، ومن يملك المال منهم يدفع نحو 10 آلاف أورو ليهرب الى المانيا من طريق التزوير. احدهم سمى خيمته "فندق مرتضى"، والعديد يعانون من نقص المياه وعدد الحمامات الا انهم يعتبرونه "مخيم النعيم" مقابل مخيم "مورا" او "غوانتاموريا" كما يسمونه تشبيهاً بالسجن الاميركي الشهير "غوانتانامو"، وهو محطة الزامية لكل لاجئ قبل التوجه الى اي مكان. هو بمثابة سجن غير منظم فيه الكثير من الاعتداءات والاغتصاب وغير ذلك، ولا يصلح ابداً للامهات مع اطفالهن وهن يشكلن الاكثرية من عدد النازحين السوريين في حين ان معظم اللاجئين الافغان فيه رجال هربوا وحدهم بحثاً عن فرص افضل.
في "بيكبا" حضر "متطوعون لأجل الانسانية" شابات وشبان من فلسطين يخففون آلام اللاجئين وهم الاخبر باللجوء ووجعه. على الارض رسموا كاريكاتوراً لناجي العلي وكتبوا تحتها "شكرا لكم من فلسطين". وكذلك ناصر وهو صحافي فلسطيني مقيم في اليونان منذ اكثر من 30 سنة، ويعمل في جريدة محلية، متطوع هو وزوجته الممرضة المتقاعدة منذ ٩ اشهر. في حديث لـ"النهار"، التي زارت المخيم بدعوة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين برفقة ممثلها الاعلامي نيشان ديرهاروتيونيان، قال إن في السابق كان المتطوعون يستقبلون الوافدين مباشرة ويؤمنون لهم مسكناً واهل الجزيرة تجاوبوا كثيراً ولا يزالون يؤمنون الاكل والثياب بشكل دائم. وهناك أشخاص عملهم السهر على شاطئ البحر وإضرام النار لتعرف القوارب طريقها، منذ آذار الماضي وبعد الاتفاقية الاوروبية مع الأتراك التي تقضي بأن تحمي تركيا حدودها وتمنع التهريب، تغير الوضع. الاتفاقية لم تطبق، ما طبق منها انه بدل استقبال اللاجئين واسعافهم اصبح ممنوعاً التعاطي المباشر معهم، اليوم فقط خفر السواحل يأخذونهم مباشرة الى مخيم "موريا" وهو نوع من مركز اعتقال. قبل الاتفاقية كان الوضع أفضل لأن خفر السواحل لا إمكان لديهم، والبيروقراطية مزعجة وتؤخر العمل. في هذا المخيم نحو 5 آلاف لاجئ وهو يتسع لنصف العدد".
أيفي لاتسودي تعرف معظم الاشخاص بأسمائهم وتخاطبهم بتودد وتناديهم "خبيبي"، والاشارات هي اللغة السائدة مع من لا يتكلم الانكليزية منهم. في حديث معها، قالت: "كنّا نعاني من الضائقة لاجتماعية في العام 2012 فتساءل الناس لماذا نحتاج الى لاجئين وتم اختيار مخيم صيفي مهجور للأولاد واستعملناه بعدما قبلت الدولة لأن بعض اللاجئين كانوا ينامون في الطرقات ويتعرضون لممارسات عنصرية. كانوا نحو 100 لاجئ وكان الأهل يعاونونا. اردنا من خلال هذا المخيم نقل الناس من العنصرية الى التضامن، وهذا لا يحتاج الكثير خصوصا عندما يدرك الناس ان اللاجئين ليسوا مصدر خطر بل ضعفاء بحاجة الى مأوى آمن والى المساعدة، مصاريفنا تغطيها الجمعيات، الدعم المالي فقط من المساعدات، كان أهل الجزيرة يساعدوننا بالأكل والملابس ولكن بعد تدفق الأعداد احتجنا الى المال لتحسين وضع المخيم المهجور.
أفرحتك الجائزة؟
الجائزة كانت مفاجأة بالنسبة لي، افرحتني لأني اعتبرتها اعترافاً بهذا العمل، العديد من الناس شاركوني لنيلها وأشكر خصوصاً الطبيبة إيرين التي ساعدتني كثيراً. فعلاقتها جيدة جداً مع اللاجئين وهي تساعدهم كثيرا".
وعن المخيم قالت إنه محمي، فيه اللواتي تعرضن للعنف الزوجي والمرضى والمثليين غير المقبولين. "كرامة الاشخاص هنا اهم من إطعامهم نحاول ان نتعاطى مع اللاجئين كبشر وليس كأرقام، نحتاج لتقوية صوتهم لا ينفع ان نتكلم عنهم، وجعلهم اعداء لنا يجردنا من إنسانيتنا. المشكلة هنا ان اللاجئين من جنسيات مختلفة وهذا يخلق احياناً حساسيات، خصوصاً اذا وصلت أوراق احدهم قبل الاخر. نقوم ببعض الترفيه مثل السينما، الرياضة، بعض الحفلات، ابني ميكاليس عمره 15 سنة يساعدني، حديقة المخيم يزرعها متطوعون وبعض اللاجئين نحاول توسيع قدرة المخيم. وضعنا هنا يختلف عنكم في لبنان، فأعدادهم اكثر عندكم ومواردكم قليلة".
إميلدا متطوعة ايرلندية تقيم لشهرين ثم تغادر لتعود تعلم الأولاد الانكليزية وطريقة "أشتر" وتعني رحلة: "في ايرلندا نعتمد هذا البرنامج هو عادة لمن هم تحت السبع سنوات ولكن وضع الأطفال هنا يسمح للأكبر سناً اعتماده لأنه يرمز الى البقاء ويشدد على الهوية والانتماء والاكتشاف. نعمل كذلك على الكثير من الاعمال الفنية وخصوصاً إعادة تأهيل الأشياء المستعملة، نتعلم الحساب باللعب نعتمد أساليب البلدان الإسكندينافية التي فيها الكثير من اللعب، نعمل كثيرا على الناحية العاطفية لتهدئة الأولاد الذين عانوا كثيرا من جراء ما مروا به، نساعدهم في الفهم والتبادل والمساعدة ونعلمهم القيام باشياء لأنفسهم من خلال ما تعلّموه. متى هدأوا تمكنوا من المشاركة وانتظار الدور والطريقة الأفضل للتخاطب. معظمهم اولاد عانوا كثيراً، فيهم الكثير من الدفء، عندما أغادر سأقرأ وأنام ولن اسمع صوت الأولاد ينادونني الا بأحلامي، ولكني لن أتأخر سأعود في تشرين الثاني".
في المخيم العديد من المتطوعين الألمان يعلمونهم اللغة لأن عدداً منهم ينتظر أن يلتقي عائلته في ألمانيا واللغة الانكليزية واليونانية.








 


[[video source=youtube id=9qb-eM9lY40]]


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم