الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

عين دارة تدفع ثمن الكسارات... معملاً للإسمنت!

منال شعيا
منال شعيا
عين دارة تدفع ثمن الكسارات... معملاً للإسمنت!
عين دارة تدفع ثمن الكسارات... معملاً للإسمنت!
A+ A-

ليس لعين دارة هذه الايام سوى خبر معمل الإسمنت. وليس لعين دارة هذه الفترة سوى جولات لسياسيين، وزراء ونواب.
صولات وجولات، من دون اي ترجمة عملية، حتى اللحظة.
وإذا كان رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل زار امس البلدة، فإن المواقف التي أطلقها من هناك لم تكن بحجم مستوى الكارثة التي ستعيشها عين دارة، في حال إنشاء المعمل.
باسيل أراد التحدث في السياسة، من دون أن يفوته حتى طرح معادلة المقارنة مع مجيء "ابن الانسان" ليربط ذلك بمجيء العماد ميشال عون الى الرئاسة، كطريق خلاص!
ولم يفت الوزير ايضاً التحدث عن معضلة الكسارات في تلك البلدة من قضاء عاليه، قائلاً: "عندما نقول لا للكسارات، يجب أن نرفضها في كل لبنان، ويجب أن نسأل عن وزير البيئة الذي لا نجده في موضوع الكسارات والنفايات بل في موضوع السدود فقط".
وهنا، نسي الوزير انه كان وزيراً للطاقة عام 2010، حين أعاد مجلس الوزراء مجتمعاً اعادة توزيع حصص الكسارات، بعد الحملة التي أقامها آنذاك وزير البيئة محمد رحال ضد الكسارات. يومها، ايضاً، بدت أن المسألة اكبر بكثير من وزير للبيئة ومن تضارب للصلاحيات بينه وبين وزير الداخلية زياد بارود. الكل يتذكر، كيف كبر الموضوع، وكيف جابه رحال "جمهورية الكسارات" أو حاول. فجأة، لم يعد حلّ المسألة ممكناً الا "بحماية سياسية" متجددة لجماعة الكسارات، ومن مجلس الوزراء مجتمعا.
وهكذا صار. فلماذا لم يقف الوزير حينها ضد هذه "المجزرة البيئية"؟ وهل تفاجأ بالامس الوزير بمنظر الكسارات التي لم تبق على أخضر في جبال عين دارة؟ هل تفاجأ ان آثار الكسارات لا تتوقف عند المناظر الطبيعية، بل تتعدّاها لتصل الى عمق الاثار الصحية والزراعية، فتقضي على صحة ابن عين دارة وتنهش السهول الزراعية وتقضي على ما تبقّى من مواسم!
واذا لم يكن خطاب باسيل بالحجم المطلوب لاهمية معمل الاسمنت وخطورته، فهو لم يتخلّ عن حلمه القديم – الجديد، ببناء سد هناك.
كان هذا السد معروفاً باسم "سد العزونية"، على الرغم من ان نطاقه الجغرافي يقع في بلدة عين دارة بالكامل، لا بلدة العزونية. وبفضل المعارضة الشرسة يومها لبناء السد، من عدد من الناشطين البيئيين الشباب، "طار" السد الى غير رجعة. الا ان باسيل لم ينس تلك المعارضة، وحرص بالقول بالامس: "يوم كنت وزيرا للطاقة طرحت على أهالي البلدة اقامة سد، ولكنهم رفضوا الاقتراح. هم أخطأوا وفضّلوا البئر".
نعم. ربما فضّلوا البئر لئلا يخسروا ما يعرف "بالمارغة"، حيث كان يفترض ان يكون السد، وهي أجمل سهل زراعي في عين دارة، واكثر الاماكن المتاحة لاي تمدد سكني مستقبلي.
فضلّوا البئر، لان تجربة السدود لم تقنعهم ولم تشجعهم. نعم فضلّوا البئر. واذا لم يعلم الوزير، فسنخبره، كيف نهشت الاراضي يومها، بحجة ان "السد سينشأ"، فعمد بعض المنتفعين الى انشاء المرامل للاستفادة، تحت ذريعة أن الاراضي لم تعد صالحة، وان السد الشهير "سيمر من هنا". ولولا وقوف بعض الناشطين بالمرصاد، لكانت الاراضي دمرّت بالكامل، تحت نهش المرامل. ويقال بعد... لماذا فضّلوا البئر؟
هم فضّلوا البئر، لكنهم لا يريدون المعمل. وكانوا ينتظرون من الوزير باسيل موقفاً اكثر وضوحاً وتصلباً، رفضاً للمعمل.
لكن الزيارة اتت، والخراف نحرت، والموقف لم يصدر. كلمة واحدة لم يسمع "العنداريون" عن المعمل.
... وبعد كل هذه التصاريح، ليس باسيل الوحيد من بين الوزراء الذين وقفوا بالكلام الى جانب اهل عين دارة. الوزيران اكرم شهيب ووائل ابو فاعور، وغيرهما. النائبان فادي الهبر وهنري الحلو وغيرهما ايضا. ولكن، حتى الان، لا ترجمة عملية.
... وفقط للمقارنة، علّها تفيد. في زحلة، يوم قامت القيامة على إنشاء المعمل نفسه، وقفت البلدية ووجهت طلبا الى مجلس شورى الدولة، تطلب فيه وقف العمل بالمعمل، فعاد الشورى ورد الطلب. بعدها. "ولعت بالسياسة". الكل توحد. الكل قال كلمة واحدة: "لا للمعمل"... فكانت النتيجة ان نقل مكان المعمل، في ليلة لا ضوء فيها، الى عين دارة. هكذا، انتهت في زحلة.
لم يحتاجوا هناك الى قرار قضائي نهائي من شورى الدولة. اوقفوا المعمل بالسياسة.
وللدلالة اكثر، ثمة معلومة مؤكدة تفيد أن احد النواب النافذين في قضاء عاليه، سمع كلاما من مرجع معني مفاده: " اذهبوا وحلوا الموضوع بالسياسة. عندها، لا ينشأ المعمل".
انما في عين دارة، المعادلة مقلوبة حتى الان. اذ على الرغم من كل الجولات السياسية للبلدة وزيارات البلدية لعدد من السياسيين ورؤساء الاحزاب والتيارات، لم تترجم هذه الخطوة بشيء. صدر قرار مجلس شورى الدولة، آتياً مئة في المئة لمصلحة المعمل. في قرار الشورى، اسهاب مفصل لموضوع الكسارات، جاء فيه حرفياً: " ان المخطط التوجيهي لمنطقة عين دارة مثبت بأحكام قضائية وقد صنّف المنطقة المعنية منطقة كسارات ومقالع، ولم يعترض اهل عين دارة والجوار منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، على هذا الامر، لا سيما مع وجود نحو 20 كسارة عاملة غير المصنع موضوع البحث".
هكذا، ومرة جديدة، تعاقب عين دارة باسم الكسارات. تارة بجبل زبالة. طوراً بمحرقة دواليب. واخيرا بمعمل اسمنت. كل ذلك، لان عين دارة منطقة كسارات. هكذا صنّفت؟ او بالاحرى، هكذا يريدون منها، كي يضمنوا في كل صفقة، حصصاً لهم.
وبعد، هل من مبرر السؤال: لماذا لا يمرّ المعمل في زحلة ويمرّر في عين دارة؟
سؤال برسم المعنيين، قبل أن تقع الواقعة!


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم