الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هذه هي خريطة طريق "حزب الله" لتبديد اعتراض بري على وصول عون إلى بعبدا؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
هذه هي خريطة طريق "حزب الله" لتبديد اعتراض بري على وصول عون إلى بعبدا؟
هذه هي خريطة طريق "حزب الله" لتبديد اعتراض بري على وصول عون إلى بعبدا؟
A+ A-

منذ ان شرع الرئيس سعد الحريري قبل ايام في جولته ذات الطبيعة الاستشارية بهدف طرح خيار انتخاب العماد ميشال عون رئيساً كان السؤال المركزي الذي راود مخيّلة الكثيرين: ما هي الاوراق التي بحوزة "حزب الله" ليقنع حليفه الرئيس نبيه بري، او ليمارس ضغوطاً عليه تثنيه عن اعتراضه على خيار عون رئيساً لا سيما بعدما رفع وتيرة هذا الاعتراض الى اقصى الحدود؟


الذين انتصب في اذهانهم هذا السؤال انطلقوا من مقدمات واقعية مفادها ان بري رفع منسوب اعتراضه على هذا الخيار وجعله مبتدأ خطابه السياسي في الآونة الاخيرة عندما تناهى الى علمه ان الحريري يقلّب جدياً مع الحلقة الضيقة من مستشاريه فكرة التسليم بالخيار الذي رفضه قبل عامين ونيف، وهو عون رئيساً، وذلك كمعبر الزامي بعدما سقطت خيارات وتجارب ورهانات اتكأ عليها وآخرها قبل نحو عشرة اشهر وتتجسد في ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة الاولى.
ومما لا ريب فيه ان السؤال إياه ازداد الحاحاً في الساعات القليلة الماضية، لا سيما بعدما سرت في الاوساط السياسية والاعلامية "خلاصة حسبة" سياسية اجراها معنيون فحواها ان بري يهيئ نفسه ويعد العدة ليؤدي دور رأس حربة ضد وصول عون الى الرئاسة الاولى، وانه ماضٍ قدماً في هذا الدور حتى لو أعلن الحريري في خاتمة دورة مشاوراته تبنّيه رسميا وقطعيا لهذا الخيار، لا بل ان المعلومات تتحدث عن "حلف ثلاثي" وشيك واسطة عقده الرئيس بري ويمينه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ويساره زعيم "تيار المردة" النائب فرنجية ومن خلفهم شخصيات مسيحية في مقدمها الوزير بطرس حرب وشخصيات سنية ستعلن افتراقها عن الحريري رداً على خياره، وبعضهم نواب في كتلته.
ومضت المعلومات إياها الى حد التكهن المبكر بما يمكن ان يقدم عليه "حلف المتضررين" هذا من أجل الحؤول دون عون وهدفه الاسمى، من خطوات وخيارات ستكون على درجة من السلبية، لا سيما بعدما ارسوا في الاذهان صورة ان الامر بالنسبة اليهم من طبيعة مصيرية وسينعكس سلباً على معادلة مكتسباتهم وحضورهم في معادلة الحكم.
وبناء على كل هذه المعطيات والوقائع التي تراكمت سريعا، اتجهت الانظار اكثر فأكثر الى الضاحية الجنوبية لاستشراف معالم توجهاتها وتحركها الموعود حيال هذا التطور الدراماتيكي الذي من شأنه لو تحقق ان يطوي صفحة ويفتح اخرى في ما يشبه انقلابا سياسيا.
الذين يمّموا ابصارهم شطر معقل الحزب كانوا في رأي العالمين انواعا ثلاثة:
- النوع الاول انطلق من مسلّمة ان الحزب آيل حتماً الى ازمة وقد أُسقط بيده بعدما صار امام الحاح حليفه عون وجمهوره الذي رفع في وجه الحزب الان اكثر من اي وقت مضى سؤالا مفاده: "أين وعودك لنا بتطويع حليفك الآخر بري وجعله ينزل عن اعلى شجرة اعتراضه؟". فاذا عجز الحزب فسيظهر ساعتئذ بمظهر الناكث بوعده والحانث بتعهده من جهة، وسيكون ذلك، من جهة اخرى، مصداقاً لقول القائلين بان الحزب لا يبتغي منذ البداية الا رئاسة شاغرة وقصراً رئاسياً مطفأً لان ذلك أنسب لمصالحه واهدافه.
- الثاني يتوقع سلفاً ان تبدأ بعد ذلك بين الحزب وبري مرحلة من التوتر والافتراق وتصادم الارادات وتنطوي صفحة التفاهمات بين الطرفين والتي حكمت علاقتهما منذ نحو عقدين، خصوصا اذا ظل بري ينسج على منوال الرفض اياه.
- الثالث ان الحزب اذا ما اخفق في رهانه ولم يفِ بوعده لعون في تأمين وصوله الى قصر بعبدا، سيفقد كثيرا من هالته وسطوته وصورته المحفورة منذ زمن بين حلفائه وخصومه على السواء، خصوصا انه بدا منذ الشغور الرئاسي قابضاً على كلمة السر اذ بمقدوره السماح بإضاءة قصر بعبدا كما كان الأسر لهذا الاستحقاق الوطني.
مؤدّى كل ذلك امر اساسي هو ان الحزب بات امام الكلمة الفصل وانه لا يمكنه التهرب وهو آيل الى ازمة بنيوية. والسؤال: ما مدى صحة ذلك؟ وكيف يمكنه الخروج والتصرف لتجاوز ما وصل اليه؟
الذين هم على تماس مع القيادة المقررة للحزب يستنتجون ان الحزب لن يصل الى ازمة قرار ودور وسيتحاشى كعادته الرسوب في اختبار التحدي الجديد، اذ لديه "خريطة طريق" لانجاز ما هو مطلوب منه وينسجم مع القرار الذي لن يتراجع عنه وهو دعم عون للوصول الى الرئاسة الاولى، وهي على النحو الآتي:
- ان الحزب لن يشرع في رحلة تفاوض قبل ان ينهي الحريري مشاوراته ضمن الموعد المبدئي المفترض (اسبوعان) ويعلن صراحة انه يرشح عون للرئاسة الاولى.
- بعدها تنفتح ابواب التفاوض مع بري على كل المستويات وتوضع كل الامور على مشرحة البحث، حيث سيكشف الحزب عن الفوائد الاستراتيجية وغير الاستراتيجية لوصول عون، وسيقف في الوقت عينه على هواجس بري ومخاوفه من وصول عون وطبيعة الضمانات لكي يتخلى عن تصلبه.
- الى ان يحين ذلك سيرفع الحزب وتيرة الخطاب الذي بدأه والمرتكز على مخاطر الحيلولة دون بلوغ عون قصر بعبدا على المستويين المسيحي والوطني، وهو سجال مضمر مع بري ورسائل مشفرة بينهما.
- ان الحزب يقيم في هذا الوقت على اطمئنان ينطلق من عجز المعارضين عن الذهاب الى خيارات بديلة، وهم جرّبوا كل السبل خلال العامين المنصرمين، بمن فيهم لا بل في مقدمهم الرئيس الحريري.
- اطمئنان لدى الحزب الى ان بري السياسي المخضرم لن يذهب الى خيارات انتحارية اذا ما وجد نفسه وحيدا، او اذا اطلع على كلمة السر الاقليمية او الدولية بهذا الشأن، وهو لديه القدرة على الانعطاف وتبرير اي خيار جديد قد يلوذ به.
منطلق فلسفة هذه الخريطة لدى الحزب هو ان الحريري اذا ما اعلن صراحة تبنّيه خيار عون رئيسا، فان الحزب وحلفاءه وآخرين سيدركون ان هناك كلمة سر تشجعه على المضي في ما بدأه، وإذذاك يصير لتحركه (الحزب) قيمة. اما اذا عاد واعلن تخليه عن هذا الخيار فمعنى ذلك انه عجز عن ايجاد الدعم الذي افترض تحققه لحظة بدأ رحلة مشاوراته لتسويق خياره وساعتئذ تعود الامور الى المربع الاول. وفي رأي الاوساط نفسها ان الارجح هو ان السعودية ما برحت عند موقفها المعروف من عون، ولكن ثمة رسالة وصلت الى قيادتها فحواها: دعوا الحريري يجرب ويحاول. وعليه انطلق الحريري في مغامرته المكلفة وفي ظنه انه إن اصاب سيضع الرياض امام امر واقع، وعليها عندئذ ان تبدأ تعاطيا جديدا معه يجبّ ما قبله.
وعليه لم يعد غريبا ان يؤجل بري لقاءه مع الحريري الى ما بعد عودة الوزير وائل ابوفاعور من السعودية، فهو كان يبحث عن كلمة السر السعودية ليبني على الشيء مقتضاه، ولكن يبدو ان سيد عين التينة لم يلتقطها تماما بعد التقاط الواثق المطمئن.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم