الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

يبيعون "جلد" الموصل قبل استعادتها

المصدر: "النهار"
أمين قمورية
يبيعون "جلد" الموصل قبل استعادتها
يبيعون "جلد" الموصل قبل استعادتها
A+ A-

قبل بدء المعركة العسكرية لتحرير محافظة نينوى وعاصمتها الموصل من قبضة تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)، يدور جدل في العراق يشي بأن المشكلات السياسية التي ستعقب عملية تحرير الموصل أكبر من المعركة نفسها، وأن "مرحلة ما بعد داعش" في هذه المنطقة المنكوبة والتي يتوقع ان تزداد مآسيها بالتهجير والتدمير اثناء العملية العسكرية المرتقبة، هي ايضاً مرحلة صعبة في ظل التجاذبات المحلية والاقليمية وسعي كل الاطراف المشاركين في عملية التحرير الى مصالحها الفئوية والخاصة بعيداً من المصلحة الوطنية العراقية القاضية بإعادة لمّ الشمل الوطني وتضميد الجروح العميقة التي خلفتها الصراعات المذهبية والطائفية والاتنية والتي توجت بتوحش "داعش".
ومع تموضع الحشود العسكرية لتطويق "داعش" في نينوى التي تؤوي خليطاً بشرياً يضم اعراقاً وديانات ومذاهب عدة، مثل العرب والأكراد والتركمان والسنة والشيعة والصابئة والإيزيديين والشبك والزرادشتية والكاكائية، والآشورية، بدأت تطرح بقوّة مشاريع عدة لتقسيم المحافظة إلى محافظات عدة او تحويلها الى اقليم. وفي المقابل، تجبه هذه الأفكار بالرفض واتّهام أصحابها بالخيانة.
وأبرز المشاريع المطروحة، "مشروع تطرحه قوى سياسية سنية ويقضي بتحويل نينوى الى إقليم مستقل على غرار اقليم كردستان ذي الحكم الذاتي للحفاظ على كيان نينوى وضمان عدم تشظيها تحت لافتات وقوى متصارعة على أسس قومية وإثنية. ويشمل الإقليم محافظات عدة بعد تحويل قضاء تلعفر، وقضاء مخمور، وسهل نينوى، وسنجار والحضر إلى محافظات، بينما تتحول الموصل الى محافظة وتكون هي عاصمة الإقليم.
أما المشروع الثاني فيقضي بتحويل نينوى إلى محافظات عدة ثم حسم المادة 140 من الدستور، المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها باجراء استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة من اجل ان يقرر سكان المناطق الحدودية مع إقليم كردستان ما اذا كانوا يريدون البقاء في نينوى أو الالتحاق بالإقليم. وبعد ذلك يتم تحويل نينوى إلى إقليم حكم ذاتي.
وفي 9 أيلول الحالي، صرّح محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي بأن "هناك مشروعاً جارياً العمل عليه يهدف إلى تقسيم نينوى إلى ست أو ثماني محافظات، وهذا ما سيحدّده السكان المحليون".
ويتّهم ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني بمحاولة توسيع نفوذه والاستيلاء على بعض مناطق محافظة نينوى وضمّها إلى إقليم كردستان. وكشف المسؤول الإعلاميّ السابق للحزب الديموقراطي الكردستاني سرو قادر أن "البارزاني طرح فكرة إنشاء ثلاث محافظات في محافظة نينوى، إلى إجراء استفتاء لسكّان تلك المحافظات حول رغبتهم في الانضام إلى إقليم كردستان أم لا".
وجعل قرب محافظة نينوى من إقليم كردستان العراق، الأحزاب السياسيّة العراقيّة غير الكردية، تبدي مخاوفها من احتمال بقاء عناصر قوّات البشمركة الكرديّة في المناطق التي تحرّرها في مدينة الموصل. لكنّ قوّات البشمركة تحاول أن تقلّل من تلك المخاوف، بقولها إنّها ليست طامعة بالمناطق التي تحرّرها، وستتركها حال زوال خطر تنظيم "داعش".
لكنّ المؤشرات على أرض الواقع، توضح أنّ قوّات البشمركة تمكنت من تحرير المناطق الشمالية لمحافظة نينوى، وهي المناطق القريبة منها، ودفعت في اتجاه أن يكون ارتباط الوحدات الإدارية في تلك المناطق بالدوائر الحكومية التابعة إليها.
ويتحدّث سياسيون عراقيون عرب مناهضون لسياسة الإقليم عن رغبة البارزاني في تقسيم محافظة نينوى إلى ثماني محافظات، يرتبط نصفها بحكومة إقليم كردستان ونصفها الآخر بالحكومة في بغداد.
ويتذرع مؤيدو التقسيم بحجة حماية الأقليّات ومنحهم حقوقهم في إدارة مناطقهم في شكل رسميّ، وتشكيل قوّات عسكريّة لتأمينها، لإمرار اجندتهم السياسية.


ودفع هذا السعي المحموم الى التفتيت وتناتش المحافظة ببعض القوى، ولا سيما الحاكمة في المركز بغداد وفي طليعتها رئيس الحكومة حيدر العبادي والقوى الشيعية، إلى التعبير عن مخاوفها من أن يؤدي ذلك إلى صراع جديد في البلاد. وفي سياق هذه المخاوف يندرج تصويت البرلمان العراقي، الاثنين الماضي، على إبقاء محافظة نينوى موحدة بحسب حدودها التاريخية قبل احتلال عام 2003، ومنع مشاريع تقسيمها.
وقال النائب في البرلمان العراقيّ عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي إن "رئيس إقليم كردستان يبحث عن مشروعية لبقائه في مناطق محافظة نينوى وضمها إلى إقليم كردستان، بحجّة حماية الأقليات وإنهاء خطر تنظيم "داعش"، لكن في حقيقة الأمر هذا مشروع أطماع توسعيّة يقوم بها مسعود البارزاني".
واستنكرت كتلة دولة القانون النيابية دعوات تقسيم نينوى بحسب المكونات، محذرة من أن أية دعوة لاستقلال كلّ مكون بتشكيل إداري منفصل هي دعوة لـ"الصراع والتخاصم".
وفي واقع الامر، فإن هذه القوى ايضا ارادت من خلال التصويت البرلماني إبقاء الوضع هو هو، أي كما كان قبل "داعش" لانه يعطيها الافضلية في ادارة شؤون هذع المناطق، وهو ما يرفضه الأكراد ويعتبرونه مستحيلاً ويراه بعض السنة العرب عودة إلى المشاكل السابقة التي تسببت بظهور التنظيم المتطرف.
وتبدو فكرة تقسيم محافظة نينوى إلى ثماني محافظات أمراً فيه نوع من المبالغة، فبعض المناطق التي يراد لها أن تكون محافظات مرتبطة بالحكومة الاتحاديّة أو حكومة إقليم كردستان العراق، قد لا تتوافر فيها الشروط الاقتصاديّة والسكانيّة لتكون محافظة. كذلك، فإن الصراعات الناتجة من التقسيم تبدو واقعية ومحتملة جداً، وهو ما يمنع تنفيذ تلك الفكرة.
وعلى رغم أن كل فئة قد تستفيد في النهاية من قيام حكومة إقليمية جديدة في نينوى، إلا أن كل هذه الفئات تخشى على المدى القصير مما تعنيه هذه التغييرات وكيف ستنفذ. ويمكن القول أن نينوى والموصل غير قادرتين على تحمّل هذا النوع من عدم اليقين في الأشهر التي تلي التحرير. كما أن رد فعل الاحزاب الحاكمة في بغداد قد لا يكون حميداً: ففي عام 2011، بدأت محافظتا صلاح الدين وديالى باتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لإقامة إقليم خاص بكل منهما، وردت الحكومة الاتحادية بفرض الحكم العسكري في هاتين المحافظتين. وعليه، فإن محافظة نينوى بعد تحريرها من "داعش"، قد لا تكون منطقة هادئة لا سياسيّاً ولا أمنيّاً، فالصراعات ستبدأ من المناطق المتنازع عليها إلى إدارة ملف المحافظة وأحقّيته بين العرب والأكراد، وصولاً إلى تهديد ما تبقّى من وجود للأقليّات، وهذا كلّه سيتسبب بصراعات قد تتطور وتتحول إلى مسلّحة لبدء عمليّة تقسيمها كنتيجة لوقف الصراعات. لذا، ومع اقتراب معركة الموصل، قد يكون من المجدي إرجاء النقاش المثير للجدل حول مبادرات قيام الأقاليم او المحافظات الجديدة إلى ما بعد التخلص من آفة الافات "داعش" وفي ظل اجواء اكثر هدوءاً واستقراراً اذا ما نعم العراق بذلك.
[email protected]
Twiter:@amine_kam


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم