الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

2 × 2 = 24

المصدر: "الأخبار" – 5 نيسان 1910"
2 × 2 = 24
2 × 2 = 24
A+ A-

نورد هنا النص الكامل لمقالة للشيخ يوسف الخازن بتاريخ 5 نيسان 1910، كما جاءت في كتاب "أقوال وأحوال" للشيخ يوسف الخازن:


"إذا أنت قرأت هذا العنوان وكنت من الذين أنعم الله عليهم بالوقوف على علم الحساب ومصطلاحاته، شعرتَ بدهشة عظيمة ونسبت الغلط إلى المطبعة أو الجهل إلى الكاتب. لأنك تعلم كما علِم الناس من قديم الزمان وسالف العصر والأوان أن 2 × 2 = 4 وليس 24، وهي قاعدة حسابية لا تقبل الغلط. وأما في هذا البلد المبارك فإن القوم قد اكتشفوا فسادَ القاعدة الحسابية هذه وأثبتوا أن 2 × 2 = 24.
منذ نحو 50 سنة ولد في إنجلترا للمستر والمسز فيف غلامٌ اختارا له اسم هاملتون. وبعد أن ربي هذا الغلام في حجر والدين متعلمين من الطبقة الإنجليزية الراقية، شبّ عن الطوق وأرسل إلى مدرسة خصوصية ومنها انتقل إلى مدرسة كلية، فنال شهادات الكفاءة والامتياز. ثم انتقل إلى جامعة أوكسفورد الشهيرة وهناك قضى أعوام الدراسة وبرز على الأقران. وخرج من المدارس رجلاً كاملاً عالماً مهذباً راقياً يعرف العلوم، وقد اطلع على الفلسفة والآداب التامة وأصبح رأسه خزانة علوم. ومال بعد ذلك إلى الصحافة فتوغل فيها وفاز في كتاباته. وأخيراً بلغ من كفاءته وشهرته أنه صار مراسلاً من الطبقة الأولى لجريدتي "التايمس" و"الدايلي مايل" وغيرهما.
وإتفق أن من جملة ما تعلمه الخط المختزل الإنجليزي، أي أنه صار يستطيع أن ينقل أقوال محدثه بطريقة الاختزال فلا يفوته حرف منها مهماً كان محدثه سريعاً في الحديث.
وإتفق في الشهر الأخير أن هاملتون فيف هذا جاء القاهرة موفداً من قبل الصحافة الإنجليزية في لندن لمرافقة المستر روزفلت المغضوب عليه في مصر الآن، فزار عطوفة رئيس النظار محمد سعيد باشا وكان لهما حديث.
وعلى الأثر أرسل هاملتون فيف خلاصة ما سمعه من عطوفة الرئيس إلى جريدة "الدايلي مايل" وهو على ما وصفنا من الكفاءة والمسؤولية والاستعداد والمقدرة على سرعة نقل أقوال محدثه.
أصبحنا بعد وصول "الدايلي مايل" وفيها ذلك الحديث. وإذا بجريدة "المؤيد" تقول إن عطوفة الوزير لم يقل ما نسبه إليه هاملتون فيف، ونشرت الحديث على وجهه الصحيح كما رواه لها عطوفته بعد مضي زمن طويل على الرواية. أي أن الحديث جرى في 24 مارس ونقله هاملتون فيف إلى جريدته في اليوم نفسه بالتلغراف، وروايته في رأي عطوفته غير صحيحة. أما الصحيح فهو ما رواه عطوفة الوزير في 3 أبريل أي بعد مضي 10 أيام كاملة. ونحن نعلم أن الوزير لم يحفظ صورة المحادثة، ولا كان للمحادثين ثالث يدوّن أقوالهما ويحفظها. ومع ذلك يريدون أن لا نصدق رواية هاملتون فيف:
أي أن 2 × 2 = 24 وليس 4
فأنا لا استطيع أن أخالف عطوفة رئيس النظار، ولا أستطيع ايضاً أن أكذّب هاملتون فيف على ما أعلمه من منزلته الصحافية. ولكن قد يكون هاملتون فيف هذا قد جرى على الطريقة التي استحسنها حضرة عزتلو صالح بك حمدي حماد. فإن كان الأمر كذلك، فالخطأ في جانب هاملتون فيف. أما الطريقة التي استحسنها حضرة عزتلو صالح بك حمدي حماد فإليك بيانها: أصدر حضرته في هذين اليومين كتاباً ترجمه وطبعه وأخرجه هدى للناس. هذا الكتاب هو تربية البنات لمؤلفه فينيلون الفيلسوف الحكيم والكاهن الفرنسي العظيم. فلكي تعلم طريقة حضرة المترجم وكيف أن 2 + 2 = 24 وليس 4 عنده، أقول أنني عندما قرأت الفصل الأول من هذه الترجمة وجدت فيها قول فينيلون ما خلاصته: "ويرى فينيلون أن التربية اللازمة للبنات يجب أن يكون إثبات الكتاب والسنّة الصحيحة".
وعلى هذه العبارة نمرة (1) وفي ذيل الصحيفة يقول المترجم حفظه الله ما معناه "أن الأصل في كتابة فينيلون هو أن التربية اللازمة للبنات يجب أن يكون أساسها الانجيل وتعاليم الكنيسة، إلا أن حضرة المترجم اختار أن يدخل هذا التغيير (الطفيف) مراعاة لكون الترجمة العربية تنشر في مصر. ألا ترى أيها القارئ كيف أن 2 × 2 تحوّل مجموعها إلى 24؟ فهل يريد حضرة المترجم الفاضل أن يجري كتّاب الإفرنج على القاعدة التي وضعها وأن يدخلوا هذه التغييرات (الطفيفة) على ما يترجمونه من اللغة العربية الشريفة؟ وما رأيه لو أن إنكليزياً ترجم إلى لغته القرآن الشريف مثلاً فلما وصل إلى الآية ((إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون)) ترجمها ذلك الإنكليزي على طريقة صالح بك حمدي حماد هكذا "إنا أنزلناه إنجيلاً إنكليزياً لعلكم تعقلون" مراعاة لكون الترجمة تنشر في إنكلترا؟ وهكذا يجعلون 2 × 2 = 24.
فإذا كان هاملتون فيف قد جرى على هذه القاعدة وأدخل بعض التغييرات (الطفيفة) على ما سمعه من عطوفة رئيس النظار، فلا محل للومه لأنه أولاً كتب هذا الحديث وهو في مصر التي فيها اخترع حضرة صالح بك حمدي حماد هذه الطريقة، وثانياً لأن روايته للحديث ستنشر في لندن. فهو قد راعى فيها مصلحة قومه، كما أن حضرة الفاضل صالح بك حمدي حماد قد راعى في ترجمة كتاب فينيلون مصلحة مصر، وهي وطنية صادقة تستحق الإعجاب.
2 × 2 = فول.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم