الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الرهانات اللبنانية الخاطئة

غسان حجار
غسان حجار @ghassanhajjar
الرهانات اللبنانية الخاطئة
الرهانات اللبنانية الخاطئة
A+ A-

أذكر عند بداية الحرب السورية عام 2011، أنني التقيت صدفة الوزير السابق ميشال سماحة في مناسبة اجتماعية، وكان عائداً للتوّ من لقاء الرئيس السوري بشار الاسد في دمشق، وقال أمام جمع الحاضرين، ان الاسد اخبره بأنه سيحسم الامور الميدانية في أسبوع، و"المشاغبون" سيكون مصيرهم السجن، وستسقط المؤامرة. وكان ان زار سماحة العماد ميشال عون في اليوم التالي، أي الاثنين، فما كان من الاخير نهار الثلثاء بعد الاجتماع الدوري لـ"تكتل التغيير والاصلاح" إلا أن قال للاعلاميين، بكل ثقة، "لاقوني الثلثاء الجايي بتكون الامور خلصت بسوريا". مرت خمس سنوات، ودخل سماحة السجن، وتبدلت أمور كثيرة، ولم "تخلص" الحرب السورية.


ولاحقاً، قررت إيران المساندة العسكرية لمّا أوشك النظام أن يسقط، فدخل "حزب الله" المعركة تحت عنوان "حماية الاماكن المقدسة الشيعية"، وكان يظن ان الحرب مسألة أيام وليال، لكن المعارك طالت وتوسعت في كل الداخل السوري، فتبدلت الشعارات والعناوين، واستمر القتال والاستنزاف.
ثم كان الرهان على التدخل الروسي لحسم مسار المعارك من فوق عبر الحرب الجوية، فتحولت الحرب "كونية" وصراع جبابرة على المصالح، واحتدمت الحروب المتنقلة، وارتفع منسوب القتل، حتى بلغنا مرحلة نعي الاتفاق الاميركي - الروسي حول سوريا، واعتبار عودة الاستقرار حلماً شبه مستحيل.
كل هذا، ولبنانيون يراهنون على تبدل المسارات لتحقيق مكاسب في الداخل. انقياد أعمى وراء مصالح الخارج في اطار محورين تحكمهما الصراعات الاتنية ما بين فرس وعرب، والمذهبية ما بين سنة وشيعة، ولا مصلحة للبنان فيها اطلاقاً.
فمع بداية الحرب السورية، راهنت قوى 14 آذار، ومعها أعداد كبيرة من الناقمين على النظام السوري الذي أساء كثيراً الى اللبنانيين والى العلاقات بين البلدين، على سقوط النظام الاسدي، ومعه المنظومة التي استمرت في التبعية له رغم انتهاء "جزمة" الوصاية. واعتبرت هذه القوى أن خصمها سيسقط بالضربة القاضية، لكن النظام صمد.
في المقابل، راهنت قوى 8 آذار على "سقوط المؤامرة" وانتصار النظام مدعوما من روسيا وإيران و"حزب الله". واستبشر هؤلاء خيراً بالحملة الدولية لمحاربة "تنظيم الدولة الاسلامية" (داعش) لأنها ستصب في القضاء على المناوئين للنظام، وتوقعوا أن يهزم المحور المعادي للاسد. لكن الرياح لم تجر بما تشتهيه سفنهم.
الى اليوم سقطت كل الرهانات اللبنانية على المتغيرات السورية، وسيسقط المزيد منها كلما طال أمد تلك الحرب التي نعلم تماماً متى بدأت، لكن أحداً لا يعلم موعد انتهائها، ولا شيء عن المرحلة التي تليها. وربما حان الوقت ليدرك اللبنانيون فداحة رهاناتهم الخاسرة وضرورة مضيهم الى توافقات الحد الادنى في الداخل، علّهم ينجون من اتون الحروب المستعرة.


[email protected] / Twitter: @ghassanhajjar

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم