الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ناهض حتر مثقف شجاع تتفق أو تختلف معه

جهاد الزين
جهاد الزين
ناهض حتر مثقف شجاع تتفق أو تختلف معه
ناهض حتر مثقف شجاع تتفق أو تختلف معه
A+ A-

كان ناهض حتر دائما صاحب رأي خاص وخلافي حتى في المسائل التي تقلّ الاختلافاتُ حولها.


مسيحي شرق أردني من أعرق العشائر العربية التي سكنت شرق الأردن. كان يرى أن ما سمِّي شرق الأردن كان يجب أن يُوسّع نحو الشمال إلى درعا وريفها السوري ليُسمّى "حوران الكبرى". نحن حوارنة، أكنا مسلمين أو مسيحيين... كان يردد.
كانت تمتزج في يساريته نبرة معادية للسلطة ترافقتْ مع نوع من العصبية الشرق أردنية .
وعندما كنت أعترض على توجهه لافتا نظره إلى أن السلطة الهاشمية هي الأكثر احتضانا للأقلية المسيحية قياسا بكل دول العالم العربي ما عدا لبنان، وأنها قياسا بالأنظمة المحيطة بها فأنتم كيساريين في وضع مقبول، كان يجيب أنه يعترف بهذا الأمر ولكن هذا لا يغير من معارضته وسعيه لسلطة أكثر ديموقراطية.
كان معجبا بالراحل ( رئيس الوزراء الأردني الأسبق) وصفي التل وكان يعتبر أنه هو الذي أنقذ الأردن عام 1970 وكان قد أصبح منافسا قويا للقصر وأن "فتح" لعبتْ لعبةَ تحميله مسؤولية أحداث أيلول فجاء اغتياله "مخرجا" للفريقين.
قال لي ناهض مرة أنه قرأ وثيقة في العشرينات من القرن المنصرم كانت تقترح ضم جبل عامل إلى شرق الأردن على اعتبار أن التيار البريطاني يومها كان يعتقد أن الشيعة يقبلون بالحكم الهاشمي كما حصل في العراق الفيصلي.
كل هذا الكلام المتناثر سمعته منه في لقاءات متقطِّعة قبل 2007 في عمان أو بيروت سيما في الفترة التي كتب فيها في صفحة "القضايا" في "النهار" وكان يبدي تعجُّبَهُ في كل مرة ننشر له فيها مقالا. ودائما كنتُ أقول له يجب أن تُصدِّق أن غسان تويني ليبرالي فعلي. فلم أسمعه مرةً يعترض على أي منها وهو لا يريدني، كالعادة، أن أسأله قبل النشر. وأمازحه: ربما لأنه لم يقرأ أيا منها بعد النشر وهو صديق لملك الأردن أو لأنه "حوراني" مثلك أتت عائلته إلى بيروت من حوران.
بمحض الصدفة لم ألتقِ ناهض بعد ذلك ولكني تابعت في "الأخبار" مقالاته المؤيدة للرئيس بشار الأسد. كان مؤيدا مقتنعا كليا بهذا الموقف وبوضوح. بدت سوريا بعد انفجار الوضع السوري وكأنها وطنه. بل وطن أفكاره المحتقنة. وفيها كل القناعات غير المعلنة لليساري ابن العشيرة غير الممتثل.
كان مثقفا شجاعا لا شك، بمعزل عن اختلافي مع الكثير من مواقفه. وكان عصاميا على المستوى الفردي يعيش، في حدود ما رأيت في عمان قبل سنوات، في منزله في شقة كان سعيدا بالحصول عليها في حي هادئ من أحياء عمان الغربية.
أظن أن اللون الأصولي الإسلامي الذي طغى على المعارضات السورية كان له دور حاسم في دفعه إلى موقفه الرديكالي المؤيد للنظام السوري خلافا للعديد من اليساريين السوريين المعارضين للنظام الذين لا زالوا يرون إمكانية لسوريا تعددية. أصبح على صلة بالرئيس السوري لاحقا وهناك صور معلنة للأسد يصافحه أو يستقبله.
قرأت بعض التعليقات على الفايسبوك التي تثير الاشمئزاز مهللةً لاغتياله. لا زال البعض في "التقليد" المتخلّف نفسه. ولكن الكثيرين، بالمقابل، أدانوا الاغتيال ومنهم من يعارض خطه السياسي.
الكاريكاتور الذي أثيرت الضجة حوله يتوجه بالسخرية من نظرة داعش إلى الذات الإلهية. كيف تراه داعش. وليس قطعا إلى الذات الإلهية.
وإذا كان هذا هو السبب الحقيقي لاغتياله فلن يكون ناهض الشهيد الأول للتعصب الديني في العالم العربي، التعصب الذي طال ويطال مثقفين مسلمين ليبراليين ومتنورين قبل أن يطال غيرهم. والذي لا يغتاله التعصب، يُسكتُه الإرهاب الفكري. وكلاهما اغتيال.
يأتينا خبر اغتيال ناهض ليعيدنا إلى زمن اغتيالات المثقفين كأفراد، بينما نعيش اليوم زمن اغتيال شعوب ومجتمعات بكاملها من سوريا إلى ليبيا إلى اليمن إلى...
نفهم أن تكون الإشاعات كثيرة، ولكن لماذا نستبعد احتمال أن الذين اغتالوه هدفُهم إضافةً إلى إبعاده هو إحراج الدولة الأردنية وزرع إسفين في بعض العلاقات الداخلية الحساسة؟
وداعا ناهض.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم