الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

آفاق التدخّلات التركية في جرابلس السورية !

المصدر: "النهار"
مسعود كاسو- سياسي ومحامٍ كُردي
آفاق التدخّلات التركية في جرابلس السورية !
آفاق التدخّلات التركية في جرابلس السورية !
A+ A-

هل دخلت تركيا جرابلس محتلة أم فاتحة؟ الإجابة على هذا السؤال تختلف من رأي إلى آخر وفق وجهة نظر صاحبه، لكن ما هي الأسباب والدوافع، ومن هو المخطط وكاتب السيناريو؟ هذا هو الأهم ومرة أخرى أيضاً تختلف الأجوبة هنا.


 


بعد دخول تركيا إلى بلدة جرابلس السورية بأيام، قام تنظيم " داعش " بإعدام مجموعة من الكُرد المعتقلين لديه على يد أطفال من جنسياتٍ مختلفة، لتسجّل هذه الجريمة كأحد أبشع جرائم الارهاب، بهدف إلهاء الإعلام العالمي وصرف نظر المهتمّين بالشأن العام في أميركا وأوروبا عن فشل حكوماتهم في سوريا، وتسليمهم الملف السوري لتركيا بعد أن أخذ النزاع في سوريا خمس سنوات من اهتمام وأموال دولهم، الأمر الذي قد يسبّب إزعاجاً لدى الرأي العام، وعدم التعرّض لأي انتقاد عند تقديم الدعم للفصائل المعتدلة ( كما تسميها أميركا) بحجة محاربة داعش في المستقبل القريب.



يظن العربي السوري، بل ويتمنى أن يكون هذا الاجتياح التركي داخل الأراضي السورية من أجل القضاء على حلم الكُرد في إقليم كُردي شمال سوريا( روچ آڤاي كردستان) ويكون بذلك قد حمى سوريا لمائة عام أخرى. كذلك يخشى الكرد أنفسهم من هذا السيناريو، ويُحذّر منه ساستهم ويطالبون طرفي النقيض الكردي في سوريا بالتوحد، كي لا يتم هدر الفرصة التاريخية لتحقيق أهدافهم القومية.



ويتّفق بعض العاملين في الشأن التركي العام، أن الجنود الأتراك لم يدخلوا الأراضي السورية دون توافق وإرادة دولية وإقليمية بل وربما موافقة سورية أيضاً، فتركيا غير قادرة على ذلك وحدها، لكن يتفق الجميع إن السبب الأبرز لدخول القوات التركية هو لإيقاف المدّ الكُردي، لكن لا تأتي هذه الخطوة لإرضاء تركيا أو لأنها أرادت ذلك، ففي الواقع كان لا بدّ من إيقاف هذا الزحف للبدء بالحلّ وليس للقضاء على الحلم الكردي كما يريد أعداء الكُرد، ذلك أن الحديث عن حلٍّ عبر المفاوضات، يفترض وجود مفاوضين يملكون القرار على أرض الواقع. وإن نظرنا إلى خارطة سوريا حالياً سنجد أنها مقسمة فعلياً الى ثلاث اقاليم كالتالي:



-إقليم علوي يضم الساحل وبعضاً من حمص والعاصمة، وهو مستقِرّ في معظم مساحته حتى انك لا تكاد تعرف ان هذه المنطقة جزء من سوريا المتفجرة.
إقليم كردي يضمّ المناطق التي سيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي تحت مسمى الإدارة الذاتية وقواتها (YPG وYPJ) وقوات سوريا الديمقراطية. تلك الحدود التي هي أغلب مناطق كردستان التي أُلحِقت بسوريا، وهي ثاني أكثر منطقة آمنة في سوريا بعد إقليم النظام أو الإقليم العلوي، ويتحكّم به حزب واحد له القرار والفصل، فيعقد الاتفاقات ويبدأ المعارك ويقرّر وقفها.



-إقليم سنّي في وسط سوريا يشمل ما تبقّى من سوريا، ولكن بعكس الإقليمين السابقين يفتقر الى الاستقرار وإلى جهة صاحبة القرار. أنه إقليم مقطّع الأوصال يحكمه العديد من المجموعات المسلحة ذات اتجاهات وأهداف ومصالح مختلفة، تتّفق فقط على أنها مسلمة سنّية، وغير ذلك فهي تتحارب فيما بينها، وتُحارب النظام أحياناً والكرد أحياناً اخرى. ويدّعي الائتلاف السوري المعارض أنه يمثل هذا الإقليم ولكن تمّ منع مسؤولين في هذا الإئتلاف وحكومته من دخول المنطقة أكثر من مرة، بالإضافة الى أن من ضمن المسيطرين على جزء من هذا الاقليم تنظيمات إرهابية لا يستطيع حتى الائتلاف ذاته الادعاء بأنها تتبع له، وأهمها داعش التي مجرد ذكر اسمها يؤدي إلى ضرب هذا الإقليم بغارات جوية أميركية.


فإذا ما سيطر الكرد على كامل الشريط الحدودي مع تركيا، وهي المنفذ الوحيد لبقايا الجيش الحرّ أو المعارضة المعتدلة التي تروّج لها أميركا ووعدت بدعمها، سوف تنقطع سبل الاستقرار في وسط البلاد وينعدم الطرف السنّي القادر على تمثيل السنّة في المفاوضات، لعدم قدرته على ايقاف اعمال العنف في حال التوصل إلى أي اتفاق عكس الإقليمين الآخرين، فجاء التدخل التركي من هذه النقطة بالذات (جرابلس) لضمان عدم تعرض تركيا للمضايقات من الأهالي لوجود مكوّن تركماني يرحّب بهذا التدخل. وبُعده عن المناطق الكردية المستقرة (المناطق المتاخمة حديثة التحرير بعكس محافظة الحسكة وكوباني وعفرين) وسهولة وصول الإمدادات والتحرك الى الإقليم السنّي لوقوعها في نقطة مقابلة للوسط بالنسبة لهذا الإقليم، ووجود حدود طبيعية (نهر الفرات) بين الكرد (بعد انسحابهم) وهذه القوات، مما يقلل من فرص الاشتباك المسلّح، وستبدأ تركيا وأميركا بتقديم الدعم اللازم للجهة التي وقع عليها الاختيار لتبدأ بفرض سيطرتها على الإقليم السنّي وتقديم فروض الطاعة لجهة تُمثّلها سياسياً في المفاوضات.



لهذا كله، يمكننا القول، إنها نهاية البداية وليس العكس، فخمس سنوات من الحرب الأهلية لم تكن سوى بداية تقسيم سوريا، البداية التي ستنتهي باستقرار الاقليم السنّي(نسبياً) للبدء بعملية المفاوضات، الاستقرار الذي ربّما سيحتاج لعام أو أكثر بعد الانتهاء من الانتخابات الأميركية.
فجميع الأطراف الفاعلة على دراية بالخطة. تركيا موافقة لأنها توقف المشروع الكُردي ولو بشكل مؤقت، وستخرق الاتفاق كثيراً عن طريق بعض الفصائل، كما ستتحول المناطق التي تسيطر عليها -أو لنقل أي منطقة كردية خارج سلطة الكرد- الى مناطق متنازع عليها على غرار الاقليم الكردي الجار في العراق.



الكرد يوافقون على ذلك نتيجة ضعفهم دون الدعم الدولي، وإرادتهم بترك جزء صغير ضمن دائرة النزاع خير من وضع كامل الإقليم الكردي ضمن تلك الدائرة، فالنظام وإيران موافقان، لأنهما أصحبا، قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم القديم الجديد المتمثل بالهلال الشيعي بعد أن تم تطهير أطراف العاصمة، وكذلك حمص الواصلة بين دمشق والساحل، أما أميركا وأوروبا وروسيا، فستبدأ بجني المحصول الذي زرعته على مدى خمسة أعوام من الحرب السورية الى أن يقضي الله أمراً.


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم