السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الطائفية والمذهبية تغزوان الدكتوراه اللبنانية

الأب متري جرداق- دكتور في التاريخ، متقاعد في الجامعة اللبنانية
الطائفية والمذهبية تغزوان الدكتوراه اللبنانية
الطائفية والمذهبية تغزوان الدكتوراه اللبنانية
A+ A-

عندما يتقدم طالب متنوّر من أستاذه كي يتعاونا في اختيار موضوع لأطروحته، لا يضعان في الحسبان أي موانع طائفية أو مذهبية أو سياسية لهذا الأمر. كل ما يبتغيه الباحث هو الغوص علمياً في معالجة موضوعه متخطياً كل الموانع والعراقيل التي يقف عندها العوام ويتداولونها، ويضعون مصالحهم الشخصية في طليعة تطلعاتهم المستقبلية. لكن أن يمنع طالب دكتوراه من معالجة موضوع يتخطى الحدود الطائفية والمذهبية، فهذا أمر مستهجن، وبخاصة في الجامعة اللبنانية.



تقدّمت طالبة مسلمة بمشروع بحثي لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ، من لجنة مناقشة الموضوعات في معهد الدكتوراه التابع للجامعة اللبنانية، وكان العنوان العام لهذه الأطروحة "البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم"، بطريرك الروم الأرثوذكس الراحل. ومن لا يعرف هذا البطريرك؟
بعد فترة أعلمت اللجنة الطالبة أن موضوعها مرفوض. صدمت الطالبة لهذا الجواب، وكانت واثقة من أنّ اللجنة ستوافق على هذا الموضوع وتنوّه باختيارها له، لأنها "طالبة مسلمة تبحث في شخصية مسيحية".


أليس هذا قمة في التنوّر والانفتاح والموضوعية العلمية؟ أليست هذه جرأة من طالبة مسلمة أن تتخطى الحدود الوهمية، وهي "عدم تخطّي الواقع الطائفي والمذهبي" للشعب المسيّر غير المخيّر؟ أليس من العيب أن نقيم الحواجز أمام هذا المشروع العلمي البحثي، في وقت نحن في أشد الحاجة الى تخطي الحواجز والمفاهيم المذهبية والطائفية الضيقة المأزومة مجتمعياً؟ أمّا السبب فجاء على لسان إحدى عضوات اللجنة "المسيحية": لا يحق لك أنت المسلمة أن تبحثي في موضوع يخص المسيحيين، ونقطة على السطر. معلوماتي أن الطالبة ستلجأ الى جامعة أخرى لبحث مشروعها، ولن تعود الى الجامعة اللبنانية. هذه المعلومات نقلها لي الأستاذ المشرف (بتصرّف).



اتوجه الى هذه اللجنة، وبخاصة الى العضوة المعارضة، من نصّبك حكماً في منع طالبة من معالجة موضوع يتخطى المنطق الضيّق للمفاهيم الخاطئة في الحياة المجتمعية اللبنانية؟ أين هو دور الأستاذ المشرف؟ ألا يحق له تحمّل مسؤولية اختيار هذا الموضوع؟ ومن قال لك أيتها الأستاذة "العلاّمة" أنه لا يحق للمسلمين أن يبحثوا في أمور المسيحيين، ويصح العكس أيضاً؟ أين دور العمادة، ولاحقاً الرئاسة في هذه الأمور المفصلية؟ ألسنا نحن في جامعة وطنية؟ وأركّز على "الجامعة الوطنية". إنها أبشع الموبقات العلمية والثقافية التي وصلنا اليها في جامعتنا الوطنية، الجامعة اللبنانية.



في حديث بيني " أنا رجل الدين الأرثوذكسي الحقيقي"، والدكتور أحمد بيضون، ومعلوم من هو الدكتور أحمد بيضون، حول تبادل الأعمال البحثية بين الطلاب والأساتذة، على مختلف الصعد والاتجاهات، العقائدية والطائفية والمذهبية، فقال لي: "شو رأيك يا أبونا تبحث في مواضيع الشيعة وأبحث أنا في مواضيع الأرثوذكس؟ هل نرتكب أخطاء مميتة أو نكون سبباً مباشراً لصراعات مذهبية وطائفية وسياسية في البلد؟ ألا ترى من الأفضل أن يدرس المتعلمون والمثقفون إيجابيات الآخرين مهما اختلفوا؟ أين الخطأ وأين العيب في ذلك؟ كان هذا أواخر الألفية الثانية.



والآن، بعد هذا السرد الملخّص الموضوعي للحادثة، أين دور الجامعة بأجهزتها المختصة في تحمّل مسؤوليتها أمام هذه الواقعة غير المشرّفة في حق شهادة الدكتوراه اللبنانية؟ فهل يبقى المسؤول غائباً عن مسؤوليته كما كان المسؤولون السابقون؟ هل نصل الى منـزلق أخطر مما حصل؟



في النهاية، إنها نقطة تحسب على لجنة دراسة مشاريع أطروحات الدكتوراه، والعمادة، والرئاسة إذا بقي هناك من رئاسة. وعلى العمادة أن تفتح تحقيقاً في هذا الأمر، وأن يكون لها موقف، أياً تكن النتيجة، ومن يكون الأستاذ، وتضع النقاط على الحروف، وتحمّل المسؤولية لمن ارتكب الخطأ. إنه لخطأ فادح في حق التاريخ والجامعة، والشخصية المنوي دراستها. فهل من محاسب ومسائل؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم