الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

لن تصدّقوا... عدد المسجلين في أهم اختصاص جامعي لبناني هذا العام: "صفر"!

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
لن تصدّقوا... عدد المسجلين في أهم اختصاص جامعي لبناني هذا العام: "صفر"!
لن تصدّقوا... عدد المسجلين في أهم اختصاص جامعي لبناني هذا العام: "صفر"!
A+ A-

لعلّ المسمار الأخير الذي دقّ في نعش اللغة العربية، كان موضة كتابة الجمل العربيّة بأحرفٍ لاتينية. هذه الظاهرة المستشرية في المجتمع اللبناني في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، يعتبرها الخبراء نتيجة طبيعيّة لعدم معرفة باللّغة، واستسهال الكتابة بالحرف اللاتينيّ على طريقة "الكتابة العروضيّة" أي بحسب ما يُلفظ الكلام وباللكنة اللبنانيّة. وهي وليدة ضعف عام في اللّغات كافّة، ولا تقتصر فقط على العربيّة. إنّها محصّلة وضع مذرٍ ولا يمكن مكافحتها إلاّ في إطار حلول بحجم المعضلات الّتي تواجهها اللّغة العربيّة. لكن سلّم الحلول لا يبدأ من الدرجة الأخيرة في ظلّ تشعّب المشكلة. هذه المشكلة التي تتجذّر في المنزل من خلال "بريستيج" الأهل الّذي يحول دون تشجيع أبنائهم على تعلّم اللّغة العربيّة، مرورًا بالهوّة بين جيل اليوم واللّغات في شكل عام، وبخاصّة مع اللّغة العربيّة. ويُضاف إلى كلّ ذلك الحاجة إلى "انتفاضة تربويّة" في مجال التدريس.


أما أسباب تراجع أداء الطلاب المدرسي ومستواهم في اللغة العربية أكاديمياً قتترجم في طرائق تدريس اللّغة والمناهج التي تحتاج دومًا إلى إعادة النّظر الجذريّة، وتوجيهيًّا من خلال الحاجة إلى إفهام المتعلّم وذويه أحيانًا، بأنّ اللّغة العربيّة بمثابة "قيمة مضافة" على "النّبذة الشّخصيّة". فحتّى لو كانت غالبيّة المتعلّمين تتّجه إلى المجالات التخصّصيّة العلميّة، إلاّ أنّ أسواق العمل في الدّول العربيّة تفرض عليه التّواصل الكتابيّ الرّسميّ باللّغة العربيّة. وهذه الحقيقة يتأخّر المتعلّمون في اكتشافها. هذا ما يشير اليه رئيس جمعيّة جائزة الأكاديمية العربية الأستاذ رزق الله الحلو في حديثٍ لـ "النهار"، موصّفاً واقع اللغة العربية في لبنان اليوم على أنه "أشبه بـ"طفرة" جدّ طبيعيّة، في ظلّ حاجة اللّغة إلى محاكاة العصر تربويًّا، والحاجة أيضًا إلى إيجاد رؤية جديدة لها من المتعلّمين "تُصالحهم" مع لغةٍ لم يتفاعلوا فيها سريعًا مع سرعة الثورة التّكنولوجيّة في مجال التّواصل الإلكترونيّ واللوحات الذّكيّة".


المسجلون في اللغة العربية في عدد من الجامعات: صفر!
يشكّل اختصاص اللغة العربية وآدابها الحلقة الأضعف في الإحجام عن الإقبال على التّخصّص في مجالات التّربية في شكل عام. حتّى إنّ هذه الحقيقة لا تقتصر على الجامعة اللبنانيّة بل وتنسحب أيضًا على كلّ فروع التّربية في الجامعات الخاصّة العاملة على الأراضي اللبنانيّة. وبحسب الحلو الذي شغل منصب رئيس دائرة اللغة العربية في عدد من المدارس، بات الإحجام شبه كامل وشاملاً ضمن الاختصاصات الجامعيّة. ولكنّ ذلك لا يؤثّر برأيه على سوق العمل، فمعيار إتقان اللّغة يبقى في آخر المعايير خلال اختيار الموظّفين، وإلاّ لكان الوضع أفضل حالاً. "ما هي الأعداد المرجّحة للطلاب اللبنانيين الذين اختاروا اختصاص الأدب العربي هذا العام؟"، يجيب بأن "من خلال تواصل الجمعيّة مع عدد من الجامعات الخاصّة، ومنها من نالت تصنيفاً عالمياً كأفضل الجامعات في المنطقة، تبيّن لنا أنّ عدد المسجّلين هذه السّنة الجامعيّة في اختصاص اللّغة العربيّة هو صفر. وهنا أيضًا لا تميل الكفّة لمصلحة اللّغة العربيّة، لا بل إنّ الإقبال عليها في تقهقر". فيما ترجّح الكفّة للمسجلين في اختصاص الأدب العربي في فروع الجامعة اللبنانية لصالح المواطنين الأجانب على حساب اللبنانيين، خصوصاً لدى العناصر الشابة.


نحو تشكيل خليّة تربويّة تحفز على تعلّم اللّغة العربيّة
تبقى المساعي الهادفة لدعم اللغة العربية في لبنان خجولة، في ضوء الحاجة الكبيرة إلى خلق مناخٍ تغييريّ على مستوى اللّغة ككلّ. وهي خجولة أيضًا في ضوء لا مبالاة الجهات الدّاعمة، الرّافضة لتبنّي أيّ نشاط على صلة باللّغة العربيّة. في هذا المناخ غير المشجّع احتفلت جمعيّة "جائزة الأكاديمية العربية" بإطفاء شمعتها الأولى في 6 آب المنصرم. هذه الجمعيّة التي يرأسها الحلو، والتي تهدف مستقبلاً الى إيجاد شبكة تواصليّة من الأساتذة المنتسبين إلى مدارس عدّة، تشكّل خليّة تربويّة واسعة الانتشار، تقرّ الأنشطة التّحفيزيّة على تعلّم اللّغة العربيّة، وتسهر على حسن تطبيقها. ما هي أبرز الأنشطة التربوية والثقافية التي تبنتها الجمعية في هذا الصدد؟، يردّ "إننا أطلقنا مسابقة "قراءة أكاديمي" و"تواصل أكاديمي"، ووصلت إلى النّهائيّات اثنتا عشرة مدرسة. وما أوجدناه في تلك المدارس هو بمثابة مُناخٍ تحفيزيّ للتمرّس بمهارات اللّغة عن طريق التّباري، ووزّعنا شهادات التميّز على مستحقّيها من الحلقتين الثانية والثالثة من التّعليم الأساسيّ. ومن ثمّ عملنا على صعيد تدريب المتعلّمين من خلال ورش عمل عن "بناء الأنشطة المتكاملة خلال الصّيف الماضي".


ويضيف "إننا آثرنا التّركيز في الحلقة الثّانية على التّواصل الشّفهي، وخصّصت للمتعلّمين من الصّفوف الثّلاثة نصوصاً تدرّبوا عليها، وسجّلوها بأصواتهم، ومن ثمّ أرسلوها بواسطة البريد الإلكترونيّ أو أوصلوها أقراصًا مدمجة وعليها تسجيلاتهم، إلى مكتبة "أنطوان" الّتي نقلتها إلينا. كما أطلقنا في إطار "تواصل أكاديمي" مسابقة "كيس القمامة لو تكلّم"، وقد حاول المتعلّمون حلّ تلك المشكلة البيئيّة أو التفكّر بحلول، على قاعدة حلّ المعضلات، وانطلاقًا من جعل المتعلّم يستشعر أهميّة أنْ يتحسّس مسؤوليّاته تجاه محيطه، وأنْ يسعى إلى أنْ يتحلّى بمزايا القائد. كلّ ذلك في إطار التّعبير التّواصليّ بالعربيّة". وعن دعم خطوات الجمعية من هيئات المجتمع المدني والدولة اللبنانية، يقول إنه حتّى الساعة لا دعم رسميًّا ولا على صعيد المجتمع المدنيّ. وحدها مكتبة "أنطوان" خصّصت للفائزين "هدايا" تثقيفيّة كناية عن منشورات تربويّة: كتب – قصص. وعن دور الجمعيّة في توثيق روابط المغتربين اللبنانيين بلغتهم الأم، يشير الى أن الاتصالات بدأت في أكثر من جهة في الاغتراب والتّواصل قائم، على أملِ الوصول إلى شراكة تربويّة حقيقيّة. ويتم التواصل حتّى الآن بواسطة جمعيّات في الخارج تُعنى بالتّربية وباللّغة العربيّة.


يمكن الكابوس الذي يطارد لغتنا الأم أن يتبدّد. الخطوة الأولى ذاتية تقتصر على مساهمة فردية من كلّ فردٍ، سبق له أن اختار الأحرف اللاتينية لكتابة الجمل العربية، أن يستعيض عنها بالأحرف العربية. في سؤالٍ أخير طرحناه على الحلو، جاء فيه: "كيف تتصوّر مستقبل اللغة العربية في لبنان؟"، قال: "قد نكون في الدّرك الأخير، ولا يمكن أنْ يزداد الأمر سوءًا أكثر من ذلك... وتّالياً فالغد سيكون أفضل حالاً".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم