الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حقوق المسيحيين المهدورة؟

المصدر: "النهار"
أنطوان قربان
حقوق المسيحيين المهدورة؟
حقوق المسيحيين المهدورة؟
A+ A-

اعتقدنا أن الجلسة الأخيرة من "طاولة الحوار الوطني" العقيمة واللادستورية والمخادعة ستكون، كسابقاتها، خرخرة ناعمة صادرة عن بعض الهررة الكبيرة التي يصرّون على تسميتها: الطبقة السياسية. بالكاد حظي المشاركون بالوقت لتبادل بعض التحيات. فقد عُلِّقت الجلسة لأجل غير مسمّى بسبب شجار دار بين ديكَين مارونيين شابّين ينتميان إلى المعسكر السياسي-الطائفي نفسه، السيدَين جبران باسيل وسليمان فرنجية.


 


حرص السيد باسيل، وزير الخارجية الحالي والصهر المفضّل لدى #ميشال_عون، للمرة الألف، على أن ينهل بقوة من الرصيد المعتاد لحزبه البرتقالي، والمتمثل في المطالبات الطائفية المعروفَة تحت عنوان "حقوق المسيحيين". يبدو السيد باسيل وتياره مسكونَين بالاقتناع الغريب بأنهما يملكان حصرية تمثيل جميع المواطنين اللبنانيين الذين تصنّفهم الأحوال الشخصية بأنهم ينتمون إلى واحد من المذاهب المسيحية الأربعة عشر المعترَف بها رسمياً من السلطات اللبنانية. بناءً عليه، لا بد من تذكير السيد باسيل وجميع من يشاركونه رأيه، بأن الكلام عن "حقوق المسيحيين" هو هراء في لبنان. من الأجدى بالراغبين في الكشف عن تعصّبهم المذهبي أن يتكلموا عن "حقوق الموارنة"، أو "حقوق الروم الأرثوذكس أو الكاثوليك"، أو "حقوق الأرمن الأرثوذكس أو الكاثوليك"، أو "حقوق السريان الأرثوذكس أو الكاثوليك"، ناهيك عن "حقوق اللاتين"، و"الأقباط والأقباط الكاثوليك"، و"الأشوريين والكلدانيين"، من دون أن ننسى "البروتستانت" بتنوّع فرقهم.



خلف المطالبة بحقوق المسيحيين، الذين يُعتبَرون خطأ بأنهم كلٌّ متماسك، يُطلّ سؤال سياسي أقرب إلى المحظورات، إنه السؤال عن الهيمنة المارونية في مجال توزيع بعض المناصب العليا في الدولة. لذلك، من المشروع التساؤل عن المبررات التي تسوّغ إسناد بعض المناصب القيادية مثل رئاسة الجمهورية، وقيادة الجيش، وحاكمية مصرف لبنان، بصورة دائمة، إلى شخص من الطائفة المارونية. بهذا المعنى، يمكن القول بأن حقوق جميع المسيحيين، من دون استثناء، مهدورة فعلياً بسبب هذا العرف الموروث من رؤية تعود إلى الحقبة العثمانية. مشكلة التوزيع المتوازن للمناصب في الخدمة المدنية، وقبل أن تكون إسلامية-مسيحية، هي أولاً مسيحية-مسيحية. والحديث عن حقوق المسيحيين، في هذا السياق المحدد، يندرج في إطار الديماغوجيا الشعبوية الأكثر بدائية.
أطلق دستور الطائف "حقبة جديدة"، حيث لم يعد توزيع المقاعد بين المسلمين والمسيحيين رهناً بالثقل الديموغرافي لأي من الطائفتَين. ومع ذلك، لا يزال العامل الديموغرافي حاضراً في الوسط المسيحي من دون أن يجرؤ أحد على التشكيك في هذه الحالة الشاذّة. عليه، فإن الهجمات اللاذعة التي يشنّها السيد باسيل وفريقه في هذا المجال تندرج في إطار استيلاء فظ على السلطة داخل طائفة مسيحية معيّنة. وهذا يضع صاحبه تلقائياً في منافسة مباشرة مع شخصيات قيادية أخرى في الطائفة نفسها.



غير أن مسألة حقوق المسيحيين وما يترتب عنها من تشكيك في العيش المشترك اللبناني تُخفي على الأرجح اعتبارات أخرى قد تكون لها غاية مزدوجة: رفض المسلم السنّي، وتالياً، الحلم بتحالف أقليات يتأتّى عن هذا الرفض. لا يمكن أن تتجسّد هذه اليوتوبيا، في حال تحقّقت، إلا في كيان سياسي علوي-شيعي واسع تسيطر عليه إيران بإدارة الأئمة، حيث يكون المسيحيون بمختلف مذاهبهم مجموعات تابعة، حرساً أمبراطورياً، لا بل بمثابة اللوح الموجِّه للصوت في الآلة الموسيقية وذلك لأغراض البروباغندا. وسيؤدّي الخطاب المسيحي الأقلّوي والانعزالي، في هذه الظروف، دور الحجة المؤاتية، المناهضة للعرب وللسنّة، في نظر رأي عام عالمي جاهز لتلقّيه. ويساهم عنف الإرهاب الجهادي، إنما أيضاً نشر الدعوة الذي يمارسه بعدوانية التطرف الإسلامي الانعزالي، في تسهيل القبول بهذا الخطاب. يكفي أن نتوقّف عند التأثيرات المدمِّرة لظاهرة البوركيني في الغرب وكذلك لدى بعض الأقليات في المشرق.
تتفشّى الكراهية كما النار في الهشيم، ولا يبدو أحد مستعداً لإخماد الحريق. لا يكترث أحد إلى أنه خلف البرقع أو البوركيني، هناك كائن بشري لا يجوز الاستهانة بكرامته. ومَن يدافعون عن البرقع والبوركيني لا يدركون أنه يمكن اعتبار موقفهم هذا تعدّياً غير مقبول على القيم والحقوق التي اكتُسِبت بشق النفس منذ قرن من الزمن.



في خضم هذا كله، يواظب فريق لا يُستهان به من المسيحيين، عن غير وعي، على هدم ما تبقّى من العيش المشترك بين مختلف المكوّنات في لبنان. وخير دليل على ذلك الاتفاق الذي جرى التوصّل إليه بين "القوات اللبنانية" وتيار السيد باسيل لصالح ترشيح عون لرئاسة الجمهورية. لسوء الحظ، يسدّد هذا التفاهم، الطائفي البحت، طعنة في الظهر للميثاق الوطني لعام 1943. وهكذا يتبرّر ما كتبه المؤرخ أرنولد توينبي: "لا تموت الحضارات اغتيالاً، بل تنتحر".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم