الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الفاسدون السعداء

راجح الخوري
A+ A-

العفن والإهتراء ينهشان الجميع تقريباً. عدد كبير من السياسيين في هذا البلد التاعس جاؤوا من الفساد وفي الفساد يعملون وبالفساد ينعمون ويغتنون من جوع عتيق، وداخل بورصة الفساد يبدعون في تقاسم البلد بالسرقة والمحاصصة والتلزيمات والنهب المقونن، وكلهم اساتذة في الوقاحة عندما يغرقون الناس بكلام العفة والإستقامة والطهارة ونظافة الكف، وليس من شيء نظيف في لبنان سوى جيوب الناس وأمعائهم.


ولكن ماذا نفعل بهؤلاء الناس الذين اذا ذهبوا الى الإنتخابات غداً يصوّتون لهؤلاء أو لورثتهم أو لأزلامهم، تماماً لتبقى الذئاب الجائعة والمتوحشة حارسة على الحملان التي تتهالك جوعاً ويأساً، وبكلام أوضح ماذا نفعل بالطائفية والمذهبية والإستزلام وذهنية الخنوع التي جعلت الفساد في لبنان قدراً لا يُردّ ومصيراً لا فكاك منه؟
لن أتردد في قولها صراحة: لو كان اللبنانيون كلهم من الشيعة أو من كلهم من السنّة أو من المسيحيين أو الدروز أو ضاربي الطبول لكان يمكن إصلاح الحال، ولم يكن سوس الفساد لينخر فينا كما يحصل اليوم، لكأن لبنان قطعة من الجبنة نتسابق على نهشها.
المضحك المبكي ان يتسابق معظم الفاسدين من أهل السياسة والإدارة، وذوي الشأن وحاملي الأختام وأصحاب التوقيع الذين ترشح منهم زيوت تيسير المعاملات، الى إبداء التعجب والغرق في الإستنكار بعد نشر التقرير الصادر عن "منظمة الشفافية الدولية" الذي يعتمد بارومتر الفساد لعام ٢٠١٦ والذي تنشره المنظمة سنوياً الى جانب مدركات الفساد، حيث بيّنت الأرقام ان تسعة من كل عشرة لبنانيين [٩٢٪‏] يرون ان الفساد قد استفحل عندنا في شكل مخيف.
فقد حلّ لبنان في المرتبة الأولى بين الدول العربية في إرتفاع مستوى الفساد في اداراته ومؤسساته العامة، حيث يُنظر الى المسؤولين في الدولة وموظفي الشأن الضريبي وأعضاء البرلمان على أنهم من أكثر الفئات فساداً في المنطقة، وهو الأمر الوحيد الذي لم يسارع البعض الى ادراجه في كتاب "غينيس" للأرقام القياسية التي حصدناها في أشياء كثيرة آخرها العلم الذي "جرجرناه وشرحطناه" في شوارع بيروت.
في أي حال، لم نكن في حاجة الى تقرير منظمة الشفافية الدولية لكي نكتشف ان لبنان بلد الفساد و"الحرامية"، ويقتضي سياق هذا الموضوع توجيه تحية عميقة الى الرئيس تمّام سلام الذي لم يتردد لحظة، عندما انفجرت قصة النفايات بهذا الشكل الفاضح والمعيب، في القول من مرارة عميقة لديه حيال التعقيدات التي شلّت وتشل عمل حكومته أن "في لبنان كثيراً من النفايات السياسية".
نعم، كثير من النفايات السياسية، لكن الشعوب اللبنانية لا تستعمل المكانس لتنظيف البلد من هذه النفايات بل للتقاتل في ما بينها لتسرح جرذان الفساد في الدولة ومؤسساتها.


[email protected] - Twitter:@khouryrajeh

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم