الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"كتائب الحداثة" بيئة ومجتمع مدني مع النضال السياسي

ايلي الحاج
"كتائب الحداثة" بيئة ومجتمع مدني مع النضال السياسي
"كتائب الحداثة" بيئة ومجتمع مدني مع النضال السياسي
A+ A-

يحمل سامي الجميّل السلّم بالعرض. "احمله بالطول وليس بالعرض"، قال الرئيس فؤاد شهاب لوزير عهده فؤاد بطرس في االلقاء الأخير بينهما*. لو لم يكن اسمه حزب الكتائب كان يمكن أن يحمل، برئاسة النائب الشاب والمندفع" اسم "الحزب الدستوري" العريق أيضاً، والذي عرض آخر رئيس له الشيخ ميشال بشارة الخوري على العميد ريمون إده دمجه والكتلة الوطنية في حزب واحد فرفض العميد. خليفته كارلوس إده قرر وضع الكتلة في ذاكرة التاريخ، سحبه من عالم السياسة الوضيعة في لبنان.


ليس الكتائب في الأذهان حزباً للخضر المدافعين عن البيئة. ليس بالتأكيد من جمعيات المجتمع المدني أو "الحراك الشعبي". صور ماضيه ميليشيات، ومعارك على الأرض وفي النضال السياسي. في عيده الأخير قبل اندلاع حريق لبنان الكبير، ، كان حزب الكتائب أكبر من "حزب الله" اليوم. استعراضه العسكري في تشرين الثاني 1974انطلق من سينما "روكسي" بعدما سكت الخطباء، اجتاز الشبان الجميزة بثياب خضراء وخطوات متراصة والتفوا عند مؤسسة كهرباء لبنان، وصلوا إلى الصيفي وكانت صفوفهم لا تزال تتدفق من ساحة البرج. كانت تنظيمات "المقاومة الفلسطينية" تسيّر استعراضات مماثلة استعداداً للآتي وإعلان وجود. "حزب الله" في هذه السلسلة يبدو مشهداً عابراً ومكرراً سبقت إليه جماعات لبنانية أخرى، وإن اعتقد أنصار هذا الحزب أنهم يعيشون في مرحلة نهاية التاريخ.
ولكن لطالما خدعت الصور البصر، تؤخذ من زاوية واحدة وتتبقي انطباعات في الذهن لا تُمحى. بيار الجميّل الجدّ المؤسس القاسي الملامح، يُخبر وزير العدل السابق شارل رزق أنه كان صديقاً لوالده "روزيك" من أيام كان "مستشار الشرق" لجميع المندوبين السامين الذين حكموا لبنان. أصيب بفالج أقعده وأعجزه عن الكلام . حتى وفاته بعد سنوات ظلّ بيار الجميّل يزوره في منزله بالأشرفية تمام الرابعة بعد ظهر كل اثنين، يمسك يده ويعرض له أحداث العالم ولبنان وما يفعل حزب الكتائب. مع انكفاء الناس عنه صار الرجل يعيش في انتظار زائره الأسبوعي ليستمع ساعة إلا خمس دقائق إلى حديث من طرف واحد. "من حاربوا بيار الجميّل شيطنوه. ولم يكن كما صوّروه"، يقول شارل رزق.
الأحزاب كالبشر تعيش وتموت، وحزب الكتائب اليوم أمام احتمال ولادة ثانية. يشق طريقه في اتجاه الناس وإليهم يعود. فرصة نادرة تُعطى لحزب أن يموت ثم يعيش. يحنّ سامي الجميّل إلى مثاليات ميّزت انطلاقة الحزب مع جَدّه ورفاق جَدّه. وفي آن واحد يتطلّع إلى اهتمامات سياسية تركز على خطى أحزاب الحداثة الأوروبية الحديثة، على قضايا الإنسان، البيئة والديموقراطية وحقوق العمال والمرأة والطفل والشفافية مكافحة الفساد. إلا أنه في احتكاكه الفعلي الأول بقضايا الناس، تصدّى لقضية كبيرة هي النفايات التي يقرّ الجميع بأنها تخضع لمبدأ تمويل الأحزاب والقوى السياسية بعد انتهاء الحرب. أحزاب وقيادات تصل إليها حصصها شهرياً بملايين الدولارات، من النفايات وأيضاً من مناقصات وتلزيمات ومشاريع تقررها الدولة. حتى اليوم لا يزال المواطن اللبناني يدفع ولا يدري "خُوّات" غير مباشرة لقاء تركه يعيش بسلام.
بعد الـ2005 ثمة أحزاب انضمت إلى المجموعة وأحزاب لم تنضم . قد تكون مشكلة سامي الجميّل ومعه الكتائب برئاسته غربته عن "الطبقة السياسية". غربة أخرجته من مجلس الوزراء وجعلته بلا حلفاء غير "المجتمع المدني" الذي لا يحتاج حزب إلى بطاقة انتساب للإنتساب إليه، ما دام غير منظم ولا هيكلية له. يكفي الإلتقاء على الإهتمامات والأهداف والتطلعات. لكن نجاح التجربة الغريبة يظل محفوفاً بالإستفهامات. الكتائب حزب بيئة ومجتمع مدني؟
سامي الجميّل الذي فُتحت عليه أبواب هجمات مرتدة كبيرة، إعلامياً وسياسياً، بعدما قرر التصدي لمافيا النفايات وقطع الطريق عليها، يستوقف ضمير كل لبناني ألا يتركه وحيداً في المعركة.
¶ من كتاب "جمهورية فؤاد شهاب" للزميل نقولا ناصيف، الصادر عن "دار النهار للنشر"، 2008.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم