الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

مزابل... وديَكة

راشد فايد
A+ A-

إذا كان "كل ديك على مزبلته صياحـاً"، كما يقول المثل الشعبي، فإن عودة مجمعات النفايات ستفتح الحياة العامة، مجددا، على مشهد تكثر فيه الديكة. السبب أن الطبقة السياسية أعجز من أن تغطي تقصيرها في إدارة الشأن العام، فتدعي التفاجؤ والدهشة أمام انكشاف قصورها، وتتقاذف الاتهامات، فتصبح عين المواطن على صراع الديكة، وليس على جذور الصراع، وتجرد المشكلة من أسسها، فتبدو كأنها سقطت على اللبنانيين من السماء بلا مقدمات.


فجأة، وعى أهل السياسة (ومنهم ذوو الباع الإقليمي) أن مياه الليطاني ملوثة، وان النفايات تتراكم في الأودية والجبال والشوارع، وأن نزف الإنفاق لتأمين الكهرباء يتمادى (مراجعة لأرشيف "النهار" تكشف انها موضع تراشق سياسي منذ نهاية ستينات القرن الفائت)، وغيرها عشرات من المنغصات الوطنية الحياتية.
الفضيحة ليست في كون أهل السياسة جهلة في فن استباق أزمات الشأن العام، بل وأيضاً، في عماء، وتعامٍ، ممن حشوا بهم القطاع العام من موظفين بالعشرات، همهم عائداتهم ورواتبهم، وقبلها "البرّاني"، لا التبصر في ما هو مطلوب منهم، عدا افتقادهم الكفاءة اللازمة، لأن "الولاء" للزعيم أهم منها لتولّي المسؤولية.
منذ انفجرت أزمة النفايات، لم يمتد النقاش الى مسؤولية الادارة العامة عن التغافل، أو غفلتها، عن المشكلة منذ بدايتها. تماماً كحال استمرار الجهالة بضخامة تلوث الشاطئ اللبناني بمصبات المياه المبتذلة، لا سيما تلك المجاورة للمنتجعات السياحية. وليس أقل فداحة حال مياه الشفة: من يجزم أنها، حين تصل الى المساكن والبيوت، يوم تصل، هي صالحة للشرب أو الاستخدام؟ هل يجرؤ مسؤول، وزير، أو مدير عام معني، على الجزم بصلاح هذه المياه، وتوافر الشروط الصحية فيها؟
هذه الطبقة السياسية تهيمن على مسار العباد ومصيرهم منذ 2005، فهل ولدت هذه الأزمات من الليطاني إلى برج حمود من وراء ظهرها، وظهور زبانيتها ممن يتولّون الإدارات العامة بكفاءة الولاء؟
ما يغيب عن حملة فساد الغذاء والعلاج، على سبيل المثال، أن العقوبة لم تصب المشرفين على هذا القطاع، الذين لولا تواطؤهم لما بلغت الأمور ما آلت إليه من درك. أما الساسة فبعضهم مشغولون بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ونصب المكامن بعضهم لبعض، في عملية إلهاء للرأي العام عمن يسرق لقمة عيشه، ويهدم الدولة، فيما يبرع بعض آخر بتقمص دور الآلهة بإنزال "شآبيب اللعنة" على خصومه، في مشهد مسرحي روماني، إنقرض، وآخر، في مشهد من زمن الجاهلية، يصف بالبلاء من يرفض إملاءات حزبه، ولا يشهد بـ"حسنات" الجنرال عون، ولا محاسن وصوله إلى قصر بعبدا، التي ينفرد هو وحزبه في انكشافها تحت أبصارهما، فيما يدمران، بمنطق فرض الإذعان، المغزى الفعلي للديموقراطية.
إنه مشهد سخرية سوداء في مسرح اللامعقول اللبناني المستمر.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم