السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

دور الدروز يحميه دور المسيحيّين!

سركيس نعوم
سركيس نعوم
دور الدروز يحميه دور المسيحيّين!
دور الدروز يحميه دور المسيحيّين!
A+ A-

قد يكون الدروز، وهم مسلمون، الطائفة الأكثر قلقاً على مستقبلهم في لبنان وعلى مستقبله. ففي القرن التاسع عشر كانوا أصحاب دور قيادي يَكْبُر ويَضْمُر تبعاً للتطوّرات الإقليمية. وكانوا مكوّناً أساسيّاً لنواة الكيان اللبناني الذي أسّسه العثمانيّون والأوروبيّون بعد حربٍ مع المسيحيين بين 1860 و1864 تسبّبت فيها خلافاتهم على "السلطة"، ومداخلات المؤسِّسين. ومع الاستقلال عام 1943 أدركوا أن المسلمين في "لبنان الكبير"، وكانوا بقيادة السنّة، صاروا المكوّن الأساسي إلى جانب المسيحيّين وترك ذلك غصّة عند قياداتهم. لكن أبرزها الزعيم كمال جنبلاط استطاع بذكائه وثقافته ووعيه الإستراتيجي أن يكون "بيضة القبّان" في لبنان حتى يوم استشهاده عام 1977، دافعاً بذلك ثمن إدراكه المخطَّطَيْن السوري والفلسطيني للإمساك به بتغذية الحرب الأهليّة الطائفيّة بين أبنائه، وثمن تزايد الخوف عند القيادات المسيحيّة الذي دفعهم إلى التشدّد والتمسّك بالضمانات – الأوهام، وإلى تجاهل ما يؤمن به كمال بك فعلاً. فدفع هو الثمن معجّلاً. ودفعوه هم مع شعبهم لاحقاً.
طبعاً في أثناء حروب الـ 15 سنة أظهر وريثه وليد بك كفاءة كبيرة مكّنته من ممارسة الزعامة الدرزية الشاملة. وبعد انتهائها استمرّت ممارسته إيّاها. لكن ظروف البلاد وموازين القوى تغيّرت وانقسم المسلمون سنّة وشيعة وضَعُف المسيحيّون وانقسموا. وتسبّب ذلك في ضمور دوره الوطني. لكنّه لم يتخلَّ عنه واستمرّ فيه. وما يسجّل له في هذا المجال أمران. الأوّل حفاظه على وحدة "الشعب" الدرزي ومراعاته رغم فائض قوّته الشعبيّة ثنائيّة الزعامة داخله ونجاحه رغم وجود طرفي الثنائيّة في معسكرَيْن داخليين وإقليميين متقاتلين في المحافظة على وحدة الدروز وفي منع اقتتالهم. ولم يعطّل ذلك بروز سياسيّين دروز طامحين بدعم محلّي وإقليمي. لكن همّ الجميع صار الطائفة وتلافي الفتنة داخلها وحمايتها من أي اعتداء عليها ورفض إنجرارها إلى أي حرب. وما حصل في 7 أيار 2008 في الشويفات وفي أعالي الجبل من وحدة الدروز في القتال ضد فريق معروف، ومن مسارعة زعيمي الثنائيّة وليد جنبلاط والامير طلال أرسلان إلى إنهائه بالحُسنى خير دليل على ذلك.
هل يستطيع الدروز أن يحافظوا على دورهم في لبنان بل على لبنان المتنوّع التعدّدي الذي فيه مكان لكل أبنائه رغم انقساماتهم؟
هم يحاولون ذلك أولاً بإقناع "الشعب" الشيعي الناهض أنّهم ليسوا في حرب معه ولن يكونوا رغم العلاقة غير السويّة بينهما والقديمة جدّاً. ويحاولونه ثانياً باستمرار علاقتهم الجيّدة والمزمنة مع السنّة، رغم انزعاجهم أحياناً من اتّساع شهوة هؤلاء إلى التمدّد في مناطق السنّة داخل "الجبل". ويحاولونه ثالثاً بالمصالحة التاريخيّة مع المسيحيّين التي نفّذها الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط والبطريرك – الرمز المتقاعد حاليّاً نصرالله صفير. ويحاولونه رابعاً بالعمل الدائم لإستكمال عودة المهجّرين المسيحيّين إلى الجبل. وقد بدأ ذلك منذ عام 1990. علماً أن عقبتين لا تزالان ترخيان بظلالهما على الاستكمال. أولاها إقتناع بعض الدروز بأن "منطقتهم" لهم وشعوره بعدم الارتياح لعودة المسيحيّين، واعتقاده أن العودة موقّتة بسبب التطوّرات الجارية في المنطقة. وثانيتها الرغبة الدرزيّة في عودة المسيحيّين مع بقائهم تحت العباءة الدرزيّة سياسةً ونفوذاً، وعدم إستحسان المسيحيّين وأحزابهم التي تكاثرت هذا الأمر وأثره السلبي على حركة العودة. إلّا أن الزعامة الدرزيّة تدرك في النهاية أن بقاءها معزّزة ذات دور رهن ببقاء دور مسيحي مهمّ في البلاد. إذ أن زواله سيؤدّي إلى اضمحلال دورهم ونفوذهم.
ماذا عن "الشعب" السنّي في لبنان؟ وهل يتحسّب للمستقبل ويستعدّ لمواجهة تطوّراته؟
قبل الجواب عن السؤالين لا بدّ من الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الأسبق (الراحل) تقي الدين الصلح كان دوماً من دعاة تفهّم خوف المسيحيّين اللبنانيّين والتفاهم معهم على ما يعتبرونه ضمانات داخل الدولة الوليدة والتحاور المستمرّ معهم من أجل إقناعهم بإزالة الغُبْن اللاحق بمشاركة المسلمين في السلطة بالرضى والتفاهم، وباعتبار العمق العربي حامياً للبنان كلّه لا لمسلميه فقط. وعندما كان يُواجه باعتراض متطرّفٍ مسلم كان يقول: لماذا تخافون؟ فالعالم العربي المحيط بلبنان مسلم ولذلك فإن لا خوف عليكم أبداً.
ما الجواب عن السؤالين؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم