السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

لبنان اعتاد تدخّل الخارج في الانتخابات الرئاسية لكنه لم يعتد تدخلاً يعطّل عمل مؤسساته

اميل خوري
A+ A-

يعاني لبنان منذ التدخل الايراني السلبي في شؤونه الداخلية العليا ما كاد يجعله يترحم على التدخل السوري ويتوق للتدخل المصري وكل تدخل سابق فرنسي وبريطاني وأميركي. ذلك أن التدخل الايراني لم يكن ايجابياً في اي مرحلة كما كان تدخل دول اخرى بل كان سلبياً بحده الأقصى. ففي الانتخابات الرئاسية مثلاً لم يكن تدخل ايران من أجل تغليب مرشح على آخر، أنما من اجل الحؤول دون انتخاب اي رئيس للبنان ليبقى معرضاً لخطر الفراغ الشامل الذي فتح عليه ابواب الشر والفوضى العارمة التي لا خروج منها الا باعادة النظر باتفاق الطائف وربما بالصيغة اللبنانية ذاتها، فإما تبقي لبنان الكبير بدستور جديد أو إعادته صغيراً كما كان في زمن المتصرفية بأكثرية مسيحية خصوصاً اذا صار خلاف على الدستور الجديد.


لقد اعتاد لبنان تدخل الخارج في شؤونه الداخلية منذ الاستقلال. فتدخل بريطانيا في الانتخابات الرئاسية جعل الشيخ بشارة الخوري يفوز على منافسه اميل اده الذي كان مدعوماً من فرنسا، وسقط عهد التجديد للشيخ بشارة الخوري بثورة شعبية بيضاء كانت يد بريطانيا الخفية خلفها، وفاز الرئيس كميل شمعون برئاسة الجمهورية بعدما انسحب له المرشح حميد فرنجية بتدخل سوري، وتم الاتفاق بين أميركا ومصر عبد الناصر على أن يكون اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية وكان يفترض أن يتم انتخابه بالتزكية لكن العميد الراحل ريمون اده ابى الا ان يستمر في الترشح لا ليفوز عليه بل ليجعل الديموقراطية تفوز في لبنان ولا يُقال كما جاء في كلمته بعد اعلان فوز اللواء شهاب: "إن الرئيس شهاب فاز في ظل الاسطول السادس الأميركي الذي كان يرابط عند شاطئ بيروت، وقد طلب صبري حمادة وكان رئيساً للمجلس شطب هذه العبارة من محضر الجلسة. وفاز الرئيس شارل حلو بالرئاسة بتوافق داخلي وخارجي وفاز سليمان فرنجية على الياس سركيس بانتخابات ديموقراطية حرة وان ببعض الدعم السوفياتي الخفي رداً على اتهامه بخطف طائرة الميراج. وفاز رؤساء الجمهورية في ظل الوصاية السورية بالتعيين ولكن بغطاء انتخابي داخلي شكلي، وظنّ اللبنانيون أنهم سيعودون الى ممارسة حرية انتخاب رئيس لهم بعد زوال هذه الوصاية ولم يكونوا يتوقعون أن يخضعوا لوصاية ايرانية غير مباشرة من خلال سلاح "حزب الله" الذي فتح الباب من خلال أحداث 7 أيار الشهيرة لتدخل خارجي جعل مؤتمر الدوحة يترجم هذا التدخل اتفاقاً مخالفاً للدستور تسهيلاً لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بعد أزمة دامت ستة أشهر، وجعل قانون الستين معدلاً أساساً لاجراء انتخابات نيابية وشكّل حكومة وحدة وطنية وزّع فيها الحصص على القوى السياسية الأساسية في البلاد. أي أن هذا الاتفاق حل محل رئيس الجمهورية ومجلس النواب والرئيس المكلّف في استخدام الصلاحيات المجددة لهم في الدستور.
أما تدخل ايران في لبنان فليته كان مثل تدخل سوريا التي منعت حصول شغور في أي سلطة بتسمية من تريد رئيساً لها، أو كان مثل التدخل المصري الايجابي عندما استجاب طلب لبنان وهو ان تنصب خيمة اللقاء بين الرئيس عبد الناصر والرئيس شهاب على حدود الدولتين وليس داخل الحدود السورية فقط، وان يدعو الرئيس المصري الموالين له في لبنان بالوقوف مع شهاب وتسهيل مهمته في ادارة شؤون البلاد والامتناع عن أي عرقلة، واحترام سيادة لبنان واستقلاله وقرارات الدولة اللبنانية، في حين ان التدخل الايراني في شؤون لبنان كان مختلفاً عن اي تدخل خارجي سابق، فقد عطّل اجراء الانتخابات الرئاسية بالايعاز الى نواب "حزب الله" ومن معهم بالتغيّب عن جلسات انتخاب الرئيس. وحاول الدكتور سمير جعجع وقف لعبة التعطيل الخطرة بترشيحه العماد عون للرئاسة ورشّح الرئيس الحريري من جهته وللغاية ذاتها النائب سليمان فرنجية للرئاسة علّ ايران توعز بانتخاب أحدهما كونهما من خطها السياسي، لكن ايران ردّت على ذلك بالايعاز لنواب "حزب الله" ومن معهم باستمرار التغيّب عن جلسات الانتخاب، لأنها تريد إحداث انقلاب سياسي في لبنان لن تظهر ملامحه الا بعد أن تظهر ملامح الحل في سوريا لتعرف عندئذ كيف ستتصرف في لبنان.
هل تمضي في تنفيذ مخطط إحداث فراغ شامل عندما يحين موعد اجراء انتخابات نيابية فلا يكون قد انتخب رئيس ولا صار اتفاق على قانون جديد للانتخاب فيواجه لبنان عندئذ احد حلّين كلاهما مر: أما التمديد للمجلس مرة ثالثة وإما اجراء انتخابات على اساس قانون الستين وكلا الحلّين قد يثير ثورة شعبية لا تتوقف الا بعد الاتفاق على دستور جديد للبنان او صيغة جديدة له.. فهل يدرك القادة في لبنان ولا سيما المسيحيون منهم خطورة ما يعملون بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس والى اين يذهبون بوطنهم؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم