الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

معركة جرابلس: التركي يستحضر التاريخ في جغرافيا وعرة

المصدر: النهار
امين قمورية
معركة جرابلس: التركي يستحضر التاريخ في جغرافيا وعرة
معركة جرابلس: التركي يستحضر التاريخ في جغرافيا وعرة
A+ A-

التقدم المباشر للجيش التركي امام قوات من المعارضة السورية الى #جرابلس الحدودية لضرب تنظيم #الدولة_الإسلامية (داعش) وطرده منها في عملية اطلقت عليها انقرة اسم "درع الفرات"، هو اول توغل كبير للقوات الخاصة التركية منذ عملية شباط 2015 التي نقل خلالها ضريح سليمان شاه جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية، ويسلط الضوء على الاهمية الاستراتيجية لهذه المدينة الصغيرة التي تمثل اهمية كبيرة لكل من #تركيا والمعارضة السورية المتحالفة معها، وكذلك للتنظيم الارهابي الذي يخسر تباعا مناطق سيطرته تباعا في #العراق وسوريا، وللاكراد الذين باتوا الرقم الاصعب في المعادلة الميدانية والسياسية في الشمال السوري.


وربطت تركيا دخولها الأراضي السورية بتوقيت محدد، الأربعاء 24 آب، ليأتي في الذكرى السنوية الـ 500 لمعركة مرج دابق، المنطقة القريبة من جرابلس والتي انتصر فيها العثمانيون على المماليك شمال #حلب ومهدوا من خلالها لحكم المنطقة.


وأهمية هذه المدينة بالنسبة الى تركيا تكمن في أنها تقع على آخر منفذ حدودي داخل الأراضي السورية، كما أن سيطرة "داعش عليها واستخدامها كمنطلق لهجماتهم على الأراضي التركية جعلها مصدر قلق لأنقرة. كما تقع شمال شرق حلب وتتمركز على الضفة الغربية لنهر الفرات الذي تعتبره انقرة خطا احمر لتقدم الاكراد غرباً.


ودفعت هذه الأهمية فصائل من المعارضة وقوات كردية إلى التسابق للسيطرة على جرابلس، وكلا الطرفين تمكّنا في الآونة الأخيرة من السيطرة على مناطق استراتيجية قريبة منها بعدما طردا مقاتلي تنظيم "داعش"، فسيطرت المعارضة على بلدة الراعي، بينما سيطرت القوات الكردية على مدينة منبج التي تقع على مسافة 30 كيلومتراً إلى الجنوب من جرابلس.


وأرّقت جرابلس الحكومة التركية التي تخشى من أن تسيطر عليها قوات "سوريا الديموقراطية" التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري. وفي هذا الاطار صرح نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورطولموش، إنه "لا يمكن لتركيا أن تقبل سيطرة حزب "الاتحاد الديموقراطي" الكردي في سوريا المرتبط بحزب "العمال الكردستاني"في تركيا على الحدود السورية التركية" البالغ طولها 911 كيلومترا.


وتعتبر الحكومة التركية أن سيطرة القوات الكردية على الحدود السورية تهديد للأمن القومي، وفي حال سيطرت قوات المعارضة الموالية لها على مدينة جرابلس سيؤدي ذلك إلى إعاقة محاولة القوات الكردية وصل مناطقها في الشمال والشمال الشرقي لسوريا مع منطقة عفرين في الشمال الغربي بهدف تشكيل إقليم "روج آفا" أو ما يعرف بغرب #كردستان. وتنظر أنقرة بقلق إلى أي محاولة من أكراد سوريا لتشكيل وحدة جغرافية ذات حكم ذاتي على طول حدودها. ولذلك تحرص الحكومة التركية على منع تقدم قوات "سوريا الديموقراطية" من #منبج الى جرابلس وتسعى لمنع القوات الكردية من التمركز بشكل أكبر على الحدود.


وتدعي تركيا أنها تريد منع أكراد سوريا من التمدد غرب الفرات باتجاه جرابلس وصولاً إلى عفرين حتى لا تتغير الديموغرافيا السكانية للمنطقة ومحو التركمان من الخريطة. لكنها في الواقع تهدف أساساً إلى منع الأكراد من تحقيق انتصار سياسي يتمثل في الحصول على مطلب الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية تماماً كما كانت تحاول سابقاً منع أكراد العراق من تحقيق الحكم الذاتي أو الفيديرالي.


كردية ام عربية؟


وفي المقابل يعتبر الأكراد أنفسهم أصحاب أجزاء كبيرة من هذه المنطقة الواقعة شمال سوريا، بما فيها البقعة الطويلة الممتدة على طول الحدود التركية، وليس فقط مقاطعة عفرين في الغرب ومقاطعة كوباني في الشرق اللتين يسيطر الاكراد عليهما حاليا، بل أيضاً الأراضي الواقعة بينهما والتي تسيطر عليها مجموعات المعارضة أو تنظيم "الدولة الإسلامية" ومن ضمنها جرابلس. وللأكراد آراء مشابهة في شأن منبج. ومع أن غالبية سكان بعض هذه المناطق من العرب، إلا أن "حزب الاتحاد الديموقراطي" لا يزال يعتبرهم "أكراداً من الناحية التاريخية"، مستنداً في حجته هذه بالظاهر على مفاهيم من عهد صلاح الدين.


ومن هذا المنطلق، يسعى "حزب الاتحاد الديموقراطي" إلى ضمان تواصل إقليمي بين مقاطعة عفرين التابعة له وما تبقّى من منطقته الكردية التي أعلن سيادته عليها من تلقاء نفسه. وقد سبق لهذا الحزب ان ضم الى الادارة الكردية منطقة تل أبيض ذات الغالبية العربية التي تقع أكثر بعداً إلى الشرق.
لكن باحثون كثر يرفضون هذا الادعاء الكردي الذي في رايهم لا يستند إلى أي معطى تاريخي أو جغرافي أو ديموغرافي، لأن جرابلس مدينة سورية، ولان سكانها كانوا ولا يزالون بغالبيتهم عربا، وقدم إليها التركمان والأرمن والشركس والاكراد. وبينما قاوم الاكراد والتركمان موجة العروبة اندمج الشركس في المجتمع العربي بعدما تلاشت هويتهم تدريجياً منذ أن أحضرهم العثمانيون إلى المنطقة منذ أكثر من 150 عاماً. أما المسيحيون الذين كانت أعدادهم كبيرة في جرابلس و كوباني وأعزاز الحدودية حتى خمسينات القرن الماضي فقد رحلوا عنها تدريجياً نحو مدينة حلب ودمشق.


منعطف مهم


وفي اي حال فان الدخول التدخل المباشر للجيش التركي في جرابلس وتاليا في سوريا يشكل منعطفاً مهماً مسار الازمة السورية لاسيما في ظل إعادة رسم التحالفات الدولية على أسس جديدة. فهو ياتي في ظل الحراك الديبلوماسي التركي المكثف لرأب الصدع مع موسكو إثر حادثة إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية وكذلك مع ايران، وبعيد إعلان "قوات سوريا الديمقراطية" عن سيطرتها على منبج بدعم أميركي، وازدياد وتيرة الأعمال الإرهابية في الداخل التركي. كما جاء غداة زيارة رئيس إقليم كردستان #العراق مسعود البارزاني لأنقرة في ظل المطالبة بدخول قوات البيشمركة السورية إلى مناطق بـ"الإدارة الذاتية الكردية الموقتة" في سوريا. كما يتزامن مع زيارة نائب الرئيس الأميركي حو بايدن حيث تصدر أجندة المحادثات مع المسؤولين الأتراك، ملفا ترحيل الداعية فتح الله غولن إلى تركيا، وعلاقة واشنطن بـ"الاتحاد الديموقراطي الكردي" السوري.


وفي حين دأبت انقرة خلال احتدام حدة الصراع الدائر في سوريا على تاكيد عدم التورط والتدخل بشكل مباشر في البلاد، واشترطت دعم حلف "الناتو" لأي عملية عسكرية في الأراضي السورية كي تشارك فيها، فان تدخلها اليوم يطرح جملة اسئلة اهمها هل حصلت على موافقة اميركية على عمليتها لاسيما ان فصائل من المعارضة السورية المدعومة من واشنطن تشارك فيها؟ وهل توصلت إلى اتفاق مع #روسيا في شان حماية مصالحها الاستراتيجية خصوصا ان سلاحها الجوي شارك في العملية في فضاء تسيطر عليه منظمة الدفاع الجوي الروسية؟


لا يزال من المبكر جداً الحكم على نجاح التدخل التركي في سوريا، واذ يبدو ان انقرة تسير نحو تطهير الشريط الحدودي من أعزاز إلى جرابلس من وجود داعش وبعمق 15 كيلومتراً على الأقل، فأن السؤال المحوري هو ماذا بعد جرابلس؟ لاسيما وان تركيا ثبتت رأس جسر في سوريا واضحت تاليا لاعبا على طاولة الشطرنج السورية وعنصر تعقيد اضافي في هذا المشهد السوريالي..لكن حتما لا الوضع الجيوسياسي الحالي ولا الجغرافيا التي تزداد وعورة في سوريا تسمح بتكرار ماحصل بعد مرج دابق قبل 500 سنة.


[email protected]
Twiter:@amine_kam

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم