الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

"انقلاب تركيا": حظوظ كردية في سوريا وعكسها في تركيا

براء صبري- اعلامي كردي سوري
"انقلاب تركيا": حظوظ كردية في سوريا وعكسها في تركيا
"انقلاب تركيا": حظوظ كردية في سوريا وعكسها في تركيا
A+ A-

كنت مشغولاً ببعض الأعمال الخاصة حين وصلتني العشرات من الرسائل من الأصدقاء على هاتفي النقال بشكل مفاجئ تتحدث عن انقلاب جاري في تركيا، وتتساءل عن تصوري للحدث، وعن مدى اطلاعي على الموضوع. كان للخبر شيء من وقع الصدمة. جلست بهدوء، وبدأت أقرأ الأخبار، وأتنقل بين الوكالات والمواقع الملمة.


كان الاهتمام السوري بالحدث التركي واضح السبب، فأكراد #سوريا، بل وكل شعوب سوريا، أصبحوا جزءاً من اللعبة الإقليمية الدموية، والتي تحاول #تركيا أن تجد لنفسها خلال كل هذه السنين الصاخبة موقع الريادة فيها، وإن من طريق جماعات موالية متطرفة! فكيف لا يكون انقلاب طارئ على الشخص المسيطر على كل اللعبة التركية مثار الاهتمام السوري العام؟ وكيف لا يجعل الأفكار تتداخل في ما بينها عن تداعيات الانقلاب إن نجح؟ وعن ردود السلطة إن نجت؟ وعن ربط كل هذا بما يحدث في الجوار السوري على أقل تقدير؟


الانقلاب الفاشل وتداعياته لا تقف عند الخريطة السورية فقط. ولكن، الحديث هنا هو عن خصخصة الحدث و(نتائجه) سوريا، وربطه بما يحدث في الداخل التركي المشابه من حيث التراكيب المجتمعية والأطر السياسية. وعليه، كان يظهر، ومنذ بداية الحدث المذكور، الرأي العام في سوريا منقسم إلى ثلاثة اتجاهات واضحة:


أولها: موالٍ للنظام، سعيد وشامت، على رغم أن الأخبار كانت تتحدث قبيل الانقلاب بفترة عن بدأ تقارب بين رأسي الدولتين لوقف التقدم الكردي في شمال سوريا بعد اليأس من وقف الدعم الغربي لهم، ولوقف خنق بلاد الانقلاب روسياً. وما أخبار التظاهرات في الساحل السوري إلا جزء من تلك الصورة الشامتة، وماهي إلا تعبير عن عدم نسيان العداء الحاد كل هذه السنين بينهما.


ثانيها: معارض للنظام في سوريا وللانقلاب في تركيا، مذهول وخائف بل ومستعد لفعل اي شيء لحماية الحكومة من الرحيل. وذلك لربط هؤلاء مصيرهم بمصير حزب العدالة والتنمية، وبالأكثر مع مصير رجل الحزب الأول والأخير رجب طيب إردوغان. وبالتحديد أكثر، كانت الصورة أوضح مع ردود فعل الأطراف القريبين من جماعة الإخوان المسلمين التي تشكل عماد الائتلاف الوطني السوري المعارض دون اي حساب سياسي مفترض، ومطلوب، لافق التبدلات المستقبلية في دولة تعتبر جارة قريبة في أفضل الأحوال، وتأثيره على مصير الآلاف من المدنيين الذين كانوا يوماً ما يؤمنون بثورة سرقها أمثال هؤلاء.


ثالثها: مراقب وحذر، ويشمل التيار الكردي الذي وقف يتابع بقلق لمعرفة المصير الذي ستلاقيه الحكومة التركية وجماعة الانقلاب معاً، وارتداداته عليهم، وعلى رغم يقين الكثير منهم بأن الكل المتصادم عدو طموحاتهم. فكان وكأن جلهم يشاهد معركة من عهد حلبات الديوك في الريف الكردي يظهر الطرفان المتقاتلان فيها شراستهما قدر المستطاع، ولا يعبر أحدهما عن أفق آمن قادم، وإنكانت النتيجة الحالية في ما يبدو أفضل المأمول بالنسبة إلى وضعهم ضمن الحرب السورية.


ليس ثمة ما هو أفضل من فشل الانقلاب بالنسبةإلى الأكراد في سوريا كحل مناسب لجوارهم المعادي الحالي. كان النصر للعسكر يخفي وراءه تقارباً مع الغرب، وعودة بالدولة إلى الحضن الغربي اليائس من أفعال الحكومة الحالية. وكان على ما يبدو ان هؤلاء المنقلبين سيسلكون الطريق بسرعة للوصول إلى النظام في دمشق، كحليف هذه المرة، وكانوا يسعون الى ترتيب المشهد الخارجي لتركيا على أساس الانتماء للضفة الغربية من العالم في عملية تجديد خارجي.


وبالتالي، كان الأكراد سيخسرون الوضع الذي يتمتعون به كقوى حليفة لقوات التحالف الدولي بدأت تتبلور ملامح قوننة ديبلوماسية لهذا التحالف من خلال بوابة جنيف المقبلة، وكقوى على غير عداء ساخن مع النظام لتموضعات وأسباب مختلفة، منها عدائية الاثنينالمشترك لأنقرة. العمل التخريبي الذي كانت تقوم به حكومة العدالة والتنمية في سوريا، وغيرها من الدول العربية، من خلال دعم جماعات الاخوان فيها والتصاريح الشعبوية التي كان يطلقها رئيس الجمهورية، له دور فاعل في التقارب الغربي الكردي الحالي في سوريا. وهو ما كان العسكر يحاولون إيصاله للحكومة في كل حين، ومن خلال قنوات داخلية عدة. لم يكن هؤلاء يملكون القدرة على ردع الحكومة عن دعم التيارات الدينية المتشددة في سوريا والمنطقة. وتالياً، كانوا يخسرون الصورة العامة لتركيا كدولة علمانية شبه حقيقية، وقريبة من سياسات الغرب في محاربة الإرهاب والتطرف الديني الواضح المعالم في سوريا الحالية.


العسكر الساعي للانقلاب كان رمزاً للشراسة تاريخياً في تعامله مع المناطق الكردية في تركيا. ذاكرة الأحكام العرفية لا تزال تتكلم. لم يكن أردوغان في الأشهرالأخيرة بأقل منهم عدائية. لم يخفِ التيار الكردي في تركيا موقفه من رفض الانقلاب، مع التذكير بواقع الحال المزري وسياسات الحكومة التخريبية تجاه مناطقهم، وتجاه سياسيهم. الكرد السوريون لم يكونوا محظوظين يوماً لهذه الدرجة مع ما سيتبع الانقلاب الفاشل من فرص دولية لهم، وضغط أخف على حدودهم الشمالية، وضعف في عنفوان القوى الراديكالية التي تحاربهم بدعم من أنقرة المشغولة داخلياً. ففي حين كان أشقاؤهم في الشمال (تركيا) يحاولون قدر المستطاع حمايتهم من تدخلات عاصمتهم أنقرة ضدهم في الفترات الماضيةانتهى الحال بهم إلى البدء بحماية ذاتهم بعد فتح السلطة لحربها ضدهم في الفترة الاخيرة. وعلى ما يبدو، سيضطر هؤلاء الى انتظار الدعم من إخوانهم في الجنوب(سوريا) المستفيدين من الوضع الجديد في الفترة المقبلة.


قدّمت الحكومة التركية بأفعالها الصبيانية وهوسها غير المعقول بمحاربة الأكراد، ودعمها للتيارات الدينية المتشددة، وغضها الطرف عن تحركات تنظيم وحشي بحجم "داعش" لمحاربته للأكراد ولحلفائهم المحليين من العرب في سورياتلك القوات المشتركة (قوات سوريا الديموقراطية ) على طبق من ذهب لأميركا الحليف المفترض لتركيا. والآن ستنكفىء الحكومة التركية إلى شؤونها الداخلية، وتراقب ذاتها، وتحاول تضميد ما أصابها من جرح انهار معه غرورها المتركز على قوة الدولة والجيش. وستتحول عملية إعادة بناء المنظومة الأمنية والعسكرية إلى مؤشر على ضعف الدولة، وهو الذي سيتحوّل بدوره إلى عملية إراحة شبه تامة للأكراد في سوريا على طول حدودهم مع تركيا، وسيعايشون هذا التبدل خلال هجومهم المستمر كجزء من قوات سوريا الديموقراطية (تشكيل عربي - كردي) لتحرير باقي المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"شمال حلب من دون تدخلات تركية مزعجة من النوع الذي كان يتحدث عن خط أحمر مضيء بشدة عند حدود الفرات الشرقية، والذي تحوّل الى أخضر دائم بدعم أميركي صريح للعابرين، ومستند على حقيقة عدم وجود خيار بديل أفضل وملتزم مثلهم بمحاربة #داعش.


يبدو في الأيام المقبلة أن تلك النغمة الحمراء التركية في تعاملها مع الأطراف السوريين ستختفي بصورة شبه أبدية نتيجة عملية البحث المستمرة للحكومة الناجية في أنقرة عن أشباح فتح الله #غولن التي لن تنتهي داخل أحشاء الدولة وأجهزتها.


يبقى أن نذكر أخيراً، أن أشقاء المستفيدين من فشل الانقلاب التركي في "سوريا" من أكراد "تركيا" تنتظرهم أيام سود، وأوجاع كبيرة، وإن كانت المؤشرات تظهر بأنها ليست لوقت طويل ايضاً كما هي بالضبط زمن البحبوحة التي تنتظر نظراءهم في سوريا، والتي لا بد من استثمارها إلى أقصى حد قبل ظهور انقلاب تركي جديد سواء سياسي أو غير سياسي أقله من حيث المنطق التاريخي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم