الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كاريل اوخ: كارلوفي فاري مهرجان الشعب والنخبة!

كاريل اوخ: كارلوفي فاري مهرجان الشعب والنخبة!
كاريل اوخ: كارلوفي فاري مهرجان الشعب والنخبة!
A+ A-

تغييرات كبرى على مستوى مقاربة مفهوم السينما شهدها مهرجان كارلوفي فاري في العقدين الأخيرين، شأنه شأن جمهورية تشيكيا نفسها التي بدأت مسارها التصاعدي منذ بداية الألفية الثالثة بعد تنصلها من الشيوعية. أحدث اسم مرتبط بالمرحلة الجديدة المذكورة لهذه التظاهرة التي كانت ساحة لكلّ أنواع الصراعات السياسية والبروباغندا عندما كانت في يدّ المعسكر الاشتراكي، هو كاريل اوخ. هذا الأربعيني تسلّم الإدارة الفنية منذ خمس سنوات من يدي ايفا زاورالوفا، السيدة الثمانينية النشيطة التي شغلت المنصب نفسه من 1994 إلى 2010، قبل أن تتنازل عنه لتكتفي بصفة المستشارة الفنية.


لا يزال الاثنان يتشاركان مكتباً صغيراً في العاصمة براغ، ويسافران معاً أحياناً إلى المهرجانات لمعاينة أحدث الأفلام بهدف تشكيل برنامج كارلوفي فاري، الحدث المرجعي في أوروبا الوسطى الذي احتفى العام الماضي بدورته الخمسين. مع وصول اوخ إلى الادارة العليا (كان يعمل في فريق المبرمجين منذ مطلع سنوات الألفين)، انفتح المهرجان على العالم العربي، وأدى هذا الانفتاح إلى استعادة للسينما اللبنانية العام الماضي. عن تفاصيل ادارة مهرجان يأتي من خلفية تاريخية فيها الكثير من الصعود والهبوط، كان لـ"النهار" المقابلة الآتية مع أوخ.


■ عندما بدأتُ بالمجيء إلى المهرجان قبل نحو عشر سنين، لم يكن هناك أي فيلم عربي. هل الثورات العربية والاهتمام الذي أثارته هما السبب حول التغيير الذي حصل؟
- لا أعتقد ذلك. كانت اختيارات المهرجان للأفلام العربية عشوائية جداً. بالنسبة الينا، هذا هو التطور الطبيعي للأشياء. العالم كبير، واختصاصنا كان دائماً بلدان أوروبا الشرقية والوسطى والدول التابعة سابقاً للاتحاد السوفياتي. شيئاً فشيئاً، بدأ اهتمامنا بمناطق أخرى، من خلال اختيار بعض الأفلام لعرضها في بعض الأقسام. السنة الماضية، قمنا باستعادة للسينما اللبنانية، واقترحت علينا شركة انتاج لبنانية 20 فيلماً من شركات انتاج مختلفة، اخترنا منها في النهاية ثمانية أفلام. كانت هذه فرصة نادرة لنكتشف السينما اللبنانية. يمكن القول ان الأمور تجري بتسلسل، شيء يحملك إلى شيء آخر. تبدأ بفكرة من دون أن تعي أنك تدخل في فكرة أخرى، وهكذا تجد أنك شكّلت برنامج المهرجان.


■ جمهور كارلوفي فاري يتألف في معظمه من تشيكيين. هل يتفاعل هذا الجمهور مع الانتاجات غير الأوروبية؟
- بالطبع. حتى في الستينات والسبعينات، كان هناك تقليد كبير في كارلوفي فاري يقوم على برمجة أفلام من خارج أوروبا، من الشرق الأوسط وأفريقيا على سبيل المثل، ذلك انه كانت هناك روابط متينة بين الحكومات. لا تنسى ايضاً ان مدينة كارلوفي فاري لديها شعبية كبيرة جداً عند العرب الذين يأتون اليها لاجراء علاجات بمياه الينابيع الحارة. فنحن اليوم، عبر انفتاحنا على العالم العربي نعود إلى هذا التقليد نوعاً ما. يجب أن أعترف أيضاً اني احياناً أجد أفلاما أجمل خارج أوروبا، لذلك نسترق النظر على ما يجري في الشرق الأوسط والمغرب وآسيا القصوى وجنوب أميركا. هناك الكثير من المال يُنفق في السينما الأوروبية، ولكن أحياناً تشعر انها تحتاج إلى انطلاقة جديدة، لذلك نحاول الاتيان بأفلام فيها ألق وديناميكية. أقول هذا علماً انني حديث المعرفة بالسينما العربية.


■ هل اطلعتَ على تاريخ المهرجان قبل تولي منصب ادارته الفنية؟
- لم أطلع على التاريخ كله، بل على اللحظات المهمة. السنة الماضية نشرت الآنسة ايفا زاورالوفا كتاباً عن تاريخ المهرجان فعاينته باهتمام. انه تاريخ مشوّق، وخصوصاً لناحية التغييرات السياسية في المنطقة التي ألقت بظلالها على المهرجان.


■ كيف تشكّل البرمجة؟ هل أنتم تذهبون إلى الأفلام، أم هي التي تأتي اليكم؟
- الاثنان معاً. أنا وزملائي طبعاً، نتلقى كلّ عام نحواً من 2000 فيلم. بالتأكيد، علينا السفر والمشاهدة. البرمجة تتكون على الشكل الآتي: يتم تسجيل فيلم معين في مهرجان كانّ. في 98 في المئة من الحالات، يتم رفض الفيلم لأسباب كثيرة منها عدم قدرة كانّ على استيعاب كلّ هذا الكمّ من الأفلام المسجلة. لذا، فمئات من المنتجين يجدون أنفسهم ان عليهم أن يقرروا ماذا يفعلون. هل ينتظرون مهرجان فينيسيا أم تورونتو أم يختارون مهرجاناً "صيفياً". بعضهم يختار كارلوفي فاري أو لوكارنو أو سان سيباستيان أو لاحقاً روتردام الذي ينتمي إلى الفئة ذاتها التي ننتمي اليها. في النهاية، كلّ هذه المهرجانات تمنح الفيلم صدقية معينة، لأنه يشارك فيها صحافيون مهمون من كلّ أنحاء العالم. يمكن للفيلم أن يحظى بتغطية نقدية مهمة في الصحف الكبيرة وبسرعة شديدة. شبكة العلاقات الخاصة بنا تضطلع أيضاً بدور مهم في اقتناص الأفلام المهمة. البعض يعرفنا جيداً ويعرف كيف "نعامل" الفيلم. نحاول اقناعهم بمنحنا منتجهم، لأننا قادرون على خلق ردود أفعال عليه. نناقش معهم لمعرفة ما المكان الذي ينبغي اعطاؤه لفيلمهم، علماً ان الجميع يريد المرور في الاسبوع الأول. عموماً، السفر ولقاء الناس مهمان جداً.


■ ماذا عن المسابقة؟ نعرف انه من الصعب جداً ايجاد افلام عرض عالمي أو دولي أول للمسابقة تكون بمستوى جيد...
- لا يزال هناك العديد من السينمائيين الذين يتعاملون مع فيلمهم بواقعية، ويعرفون حجم عملهم وحدوده. يعلمون مدى الافادة التي يمكن أن يحققوها جراء وجودهم في مسابقة كارلوفي فاري. أحياناً، نسافر أيضاً لمشاهدة عمل يكون قيد الانجاز. علينا مواكبة المشروع قبل أن ينتهي. خذ فيلم "زولوجي" مثلاً. مخرجه فاز هنا بجائزة في قسم "شرق الغرب" عن فيلمه "صف التصحيح". منتجه فرنسي ولديه كلّ عامّ فيلم جديد في كارلوفي فاري، وقبل عامين فاز "جزيرة الذرة" الذي أنتجه "الكرة البلورية". المسألة برمتها تعتمد على الصداقات ومَن يعرف مَن. السينمائيون الذين يأتون إلينا يعرفون ماذا يتوقعون. طبعاً، أتحدث هنا عن سيناريو رابح. أحياناً، نخسر المعركة، لأن أصحاب الفيلم يفضّلون الانتظار، طامحين إلى سان سيباستيان وتورونتو معاً.


■ هل تتابع ما يُكتب عن المهرجان؟ أتعيره اهتماماً؟
- نعم، جداً! النقد مهم في كلّ المهرجانات، سواء أكان ايجابياً أم سلبياً. نحترم آراء الصحافيين. نحتاج جداً إلى المقالات الصحافية النقدية لأنها تأشيرتنا الى العالم. سأعطيك مثلاً: هناك فيلم من جورجيا في قسم "شرق الغرب" عنوانه "بيت الآخرين"، باكورة مخرجة جورجية حصد فيلمها هذا في مجلة "فرايتي" تقييماً عالياً. كاتب المقال قارنها ببرغمان وتاركوفسكي! بناءً على المقال، تلقت رسالة من "سوني بيكتشرز"! كما تعلم، الموزعون يطالعون المقالات النقدية...


■ أين تموضع كارلوفي فاري بين سائر المهرجانات؟
- الفريق الأول يتألف من كانّ وبرلين والبندقية. الفريق الثاني هو لوكارنو وكارلوفي فاري وسان سيباستيان وروتردام الخ. لا أتكلم هنا عن مهرجانات شمال أميركا. هناك شيء متشابه بين المهرجانات الأوروبية، كلّ منها يركّز على اهتماماته الخاصة، لكن عدد المشاركين أكانوا منتجين أم صحافيين، متقارب بعضه من بعضه الآخر.


■ ما سرّ تزايد الجمهور في السنتين الماضيتين؟
- لطالما كانت الصالات ممتلئة في كارلوفي فاري، وخصوصاً في الاسبوع الأول. ثم بدءاً من الثلثاء يتراجع الحضور. السنة الماضية، احتفلنا باليوبيل الذهبي للمهرجان، فكانت مشاركة كثيفة من الجميع. الكلّ أحب الحفل الموسيقي الذي قدمناه، لذلك ألغينا عشاء الافتتاح في فندق "بوب"، لنستعيد تجربة الحفل الموسيقي. الكلّ كان يريد للناس أن تستمتع. هذا العام صادف هذا كله مع العطلة الوطنية الرسمية التي وقعت مع أول أيام المهرجان وهذا ما سمح للناس بالبقاء لفترة أطول، ولكن يحلو لي الاعتقاد ان نوعية البرمجة هي التي تأتي بالناس إلى هنا (ضحك).


■ اذاً، ليس هناك أي اقتطاع من الموازنة.
- اطلاقاً. الموازنة لا تزال هي هي: ستة ملايين أورو تقريباً.


■ ماذا عن الطغيان الأميركي على المهرجان؟ آخر خمسة تم تكريمهم هم أميركيون... (ضحك).
- المهرجان يحتاج إلى "غلامور"، ونجوم السينما يأتون عموماً من الولايات المتحدة. حاولنا الاتيان بأوروبيين، لكن بعضهم غير معروف كثيراً في تشيكيا رغم نجوميتهم في بلدهم. أما المعروفون فليسوا دائماً على استعداد للمجيء لكثرة انشغالهم. نحاول دائماً اختيار أسماء تلتقي عليها عامة الشعب والنخبة. ويلَم دافو الذي كرمناه في هذه الدورة، مثالي في هذا المجال. تشارلي كوفمان أقلّ بقليل. نحاول اذاً ايجاد أسماء كهذه تغطي جانبي السينما.


■ كيف تتعامل مع الأفلام التشيكية في المسابقة؟ نعلم ان السينما المحلية تخلق دائماً اشكالية كبيرة عند المبرمجين...
- المسألة بدأت تتغير في السنتين الأخيرتين. فهمَ السينمائيون التشيكيون انه يجب أن يأخذوا في الاعتبار تاريخ انعقاد المهرجان وينهوا أفلامهم وفق ذلك التاريخ. عليهم التصوير في الصيف، والعمل على المونتاج في الخريف، وانهاء الفيلم ككل في الربيع. طبعاً، بعضهم سيحاول الذهاب إلى برلين وكانّ قبل التسجيل عندنا. اذا عملوا وفق هذا الجدول الزمني، سيكونون مستعدين لكارلوفي فاري. هذا العام، كان لدينا فيلمان في المسابقة، والعدد نفسه العام الماضي، ولكن هذا لا يعني اننا نأخذ كلّ الأفلام التشيكية (توضيح من المحرر: تشهد تشيكيا سنوياً انتاج ما بين 20 و25 فيلماً روائياً طويلاً).


■ ... حتى في القسم المخصص للسينما التشيكية لا تأخذون كلّ شيء؟
- لا، نأخد فقط ثلث الانتاج المحلي. يقع اختيارنا على الأفلام التي لديها احتمالات نجاح في الخارج. لا نعرض أعمالاً محلية جداً لأنها لا تهم الأجانب. يجب ألا ننسى ان هدف المهرجان هو أن يكون جسر تواصل بين جمهورية تشيكيا والخارج. قبل خمس سنوات، لم نستطع حتى اختيار فيلم تشيكي واحد في المسابقة، لعدم توافر المستوى المطلوب.


■ اذاً، تتعاملون مع السينما التشيكية بالمعايير نفسها التي تتعاملون وفقها مع السينمات الأخرى...
- نعم. لسنا "مركز الفيلم التشيكي"، خلافاً لما يعتقده البعض. لسنا هيئة تهدف إلى الترويج للسينما المحلية.


■ هل تعاطي الصحافة التشيكية مع المهرجان يختلف كثيراً عن تعاطي الصحافة الأجنبية معه؟
- يتوقف هذا على الموضوع. الآراء حول فيلم الافتتاح "انتروبويد" في الصحافة التشيكية كانت قاسية. الصحافة الأجنبية انقسمت حول الفيلم، لكن المحلية كانت أكثر حسماً. ربما لأنه يتناول قضية لها علاقة بتشيكيا، والناس لديهم تصوّر آخر عنها.


■ هل من تغييرات مستقبلاً في كارلوفي فاري؟
- في هذا اليوم بالذات، أعلن وزير المال الموجود حالياً في كارلوفي فاري ان أعمال ترميم فندق ترمال ستبدأ فور انتهاء المهرجان، وستجري على ثلاث مراحل، وستنفذ بين تواريخ انعقاد المهرجان كي لا يعود عليه بالضرر. نأمل أن تنتهي في أربعة أعوام. الموازنة ضخمة جداً: 20 مليون أورو تقريباً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم