الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

مشكلة الرئاسة... مَن يرضى الخضوع لـ "حزب الله"؟

المصدر: "النهار"
ريمون شاكر-باحث
مشكلة الرئاسة... مَن يرضى الخضوع لـ "حزب الله"؟
مشكلة الرئاسة... مَن يرضى الخضوع لـ "حزب الله"؟
A+ A-

بدأت الأزمة الرئاسية قبل إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان بأشهر، وتحديداً، بعد صدور إعلان بعبدا في 11 حزيران 2012 وقبول "حزب الله" كل بنوده، بما فيها البند الذي يتكلّم على "تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية"... ثمّ تنصّله منه واعتباره حبراً على ورق، و"وُلد ميتاً"، كما قال النائب محمد رعد لاحقاً، رافضاً مبدأ الحياد عن الصراعات الإقليمية، خصوصاً بعد إعلان السيد حسن نصرالله مشاركته في المعارك في سوريا وتأكيده في كلمته في عيد الشهيد إستمراره في القتال في سوريا ومضاعفة إرسال مقاتليه لدعم النظام ومحاربة التكفيريين والإرهابيين.



إستمرّ التشنج بين الرئيس ميشال سليمان و"حزب الله"، إلى أن تفجّر بعد خطاب سليمان في جامعة الروح القدس في الكسليك بتاريخ 28 شباط 2014 ، قبل ثلاثة أشهر من تاريخ إنتهاء ولايته، مُنتقداً "الحزب" باستقلاله عن منطق الدولة وتخطّيه الحدود والإنخراط في نزاع مسلّح، ومنتقداً للمرة الأولى بطريقة مباشرة ما وصفه بالتمسّك بــ"معادلات خشبية"، في إشارة إلى تشبّث "حزب الله" بمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، وإصراره على تضمينها البيان الوزاري، من دون ربطها بأي شرط في البيان، في حين ربطت 14 آذار قبولها بذلك، بضرورة أن تقترن عبارة الحق في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، بإشراف الدولة ومرجعيتها الحصرية. فأصدر "الحزب" بياناً إعتبر فيه أن "قصر بعبدا بات يحتاج في ما تبقّى من العهد الحالي إلى عناية خاصة، لأن ساكنه أصبح لا يميّز بين الذهب والخشب".



وهكذا، جاء هجوم "الحزب" لــ"يفرمل" عمل الحكومة، ويبدأ مشواره الطويل في تعطيل الإستحقاق الرئاسي، ورفْض أي رئيس لا يرضخ لمشيئته ومعادلته الشهيرة وخياره الإقليمي في دعم النظام السوري وبقاء الرئيس بشار الأسد. ومنذ أيار 2014، تربّع الفراغ على عرش قصر بعبدا ولم يزل حتى تاريخه. بعضهم يقول أن خيار "الحزب" منذ البداية هو الفراغ وليس "الجنرال"، وأنا أقول، إن طريقة 14 آذار "الذكية" في إدارة الملف الرئاسي أوصلت الأمور إلى هذا الدرْك من الضياع والإنحلال والفراغ. نحن نسأل، وبكل بساطة وبراءة، مَن أوعز للرئيس سعد الحريري بفتح ملف الرئاسة مع العماد ميشال عون، والقبول به رئيساً للجمهورية، ثمّ أمرَ بإقفال الملف؟ فإذا كانت السعودية ورّطت الحريري، فيجب محاسبتها وفضْحها أمام المجتمع الدولي، والتصرّف بعكس إرادتها، وعدم تحميل الشعب اللبناني مسؤولية تفرُّدها في إتخاذ قرارَي القبول ثم الرفض. وإذا كانت السعودية قد أعطت الأوامر في ما بعد بترشيح النائب سليمان فرنجيه، معوّلةً على شقّ صفوف 8 آذار وإرباك "حزب الله"، وإرغام "القوات اللبنانية" وسائر القوى المسيحية على القبول بفرنجيه، فقد سقطت في محاولتها وأسقطت معها كل الحلول. صحيحٌ أن زعماءنا لم يُحسنوا يوماً الفِعْل، بل ردّود الفعل، ولم يبرعوا يوماً إلاّ بالنكايات والحزازات، والتفتيش دوماً عن مصالحهم الذاتية، ضاربين عرض الحائط بمصلحة الوطن وشعبه، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّ الخارج لم يتعامل يوماً مع لبنان كوطن، بل ورقة للمقايضة، وصفقة للشراء والبيع مع الدول الكبرى.



إنّ إصرار "حزب الله" على التصريح في كل مناسبة "إما القبول بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وإلاّ الفراغ"، يزيد حدّة المشكلة ولا يحلّها، ويعمّق الخلاف بين اللبنانيين بدل أن يجمعهم ويوفّقهم. و"الحزب" الذي يريد فرض مرشحه على الرئيس نبيه بري، وعلى النائب وليد جنبلاط، والنائب سليمان فرنجيه، وحزب الكتائب، والمسيحيين المستقلين، وكتلة المستقبل، يتصرّف وكأنه يثبّت أقوال البعض وظنونه بأنه لا يريد العماد ميشال عون رئيساً، ولا إنهاء الشغور الرئاسي. فلغة التحدّي والفرْض التي يمارسها "الحزب" كل يوم لن تؤدّي يوماً إلى حلّ، بل تزيد الأمور تعقيداً.



أراد الرئيس نبيه بري، في الثلاثية الحوارية التي دعا إليها، عن حسن نية، محاولة كسْر الجليد الرئاسي وإنهاء الفراغ الذي دخل عامه الثالث، وطرح سلّة الرئاسة والحكومة وقانون الإنتخاب، مُستعيداً الحلّ الذي حصل في "الدوحة" عام 2008 ، ولكنه إصطدم بالحائط نفسه، والمواقف نفسها، ممّا إضطرّه من أجل المحافظة على ماء الوجه، إلى تغيير مسار الحوار والعودة به إلى خمس وعشرين سنة، إلى "الطائف" وبنوده، وإلى مجلس الشيوخ وإلغاء الطائفية السياسية واللامركزية الإدارية. فالرئيس بري، الذي يعرف أساس المشكلة وتشعّباتها، يُدرك جيداً أنّ "الدوحة اللبنانية" تحتاج إلى الراعيين الإيراني والسعودي على طاولة الحوار، وإلى تواضع "حزب الله" في مقاربة الملف الرئاسي، وهذا لن يحصل في المدى المنظور، ما دامت حرب الإقليم مشتعلة، والولايات المتحدة منهمكة في صخب إنتخاباتها، والعالم مُنشغل في حربه على الإرهاب.
مسكين هذا الشعب، لا يستحق كل هذه "البهدلة"، ومساكين أولادنا، لن ينعموا بوطن.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم