الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل يفتح التطور الدراماتيكي في الشمال السوري كوّة في جدار الأزمة اللبنانية ؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
هل يفتح التطور الدراماتيكي في الشمال السوري كوّة في جدار الأزمة اللبنانية ؟
هل يفتح التطور الدراماتيكي في الشمال السوري كوّة في جدار الأزمة اللبنانية ؟
A+ A-

لا ريب في ان محور "الممانعة والمقاومة"، وواسطة العقد فيه "حزب الله"، يتطلع الى الانجازات الميدانية الاخيرة التي تحققت في حلب ومحيطها في الساعات الماضية على انها عتبة ولوج تلقائي الى مرحلة استراتيجية مختلفة في الميدان وعلى المستوى السياسي في آن واحد، وهو امر ظهّره سلفاً سيد الحزب السيد حسن نصرالله في احدى اطلالاته الاعلامية الاخيرة ونظر اليه بجلاء عندما ادرج المعركة في حلب في خانة أمّ المنازلات الكبرى ذات البعد الكوني، معلنا يومذاك انه ماض فيها ومحوره قدماً مهما غلت التضحيات وبلغت الاثمان.


في حينه اطلق نصرالله هذا الكلام في اطار سعي جاد لاستيعاب تداعيات ضربة موجعة نزلت بالجسم العسكري للحزب الذي يقاتل في منطقة حلب مغطياً جبهة امامية مهمة سقط من جرائها 23 عنصرا من الحزب، الى جرحى ومفقودين، وصاحبتها ضجة اعلامية مدوية، فضلاً عن فقدانه مواقع عدة كان سيطر عليها.
وفي حينه ايضا كانت "عاصفة السوخوي" الروسية قد اوقفت اندفاعتها الكبرى التي بدأت قبل اشهر مبدلة رأساً على عقب صورة الواقع الميداني وذلك تحت عنوان هدنة مفترضة ابرمتها موسكو مع واشنطن مدخلاً الى حل سياسي مرتجى للازمة المشتعلة نيرانها في سوريا منذ عام 2011.
وقتذاك كان ثمة هاجس ينمو لدى الحزب و محوره من ان يكون حليفه الروسي قد بدّل من توجهاته او ان يكون وقع ضحية خدعة اميركية، لا سيما ان المجموعات المعارضة كانت نجحت في استغلال مفاعيل الهدنة لتستدعي آلاف المقاتلين من اربع رياح الارض وتشرع في هجمات مضادة مستعيدة بعض ما خسرته ميدانيا وبعض ما فقدته من معنويات طوال اشهر.
بيد ان الاسابيع القليلة الماضية كانت كفيلة باعادة الامور بالنسبة الى محور "الممانعة" سيرة ما قبل الهدنة التي سرت بخلاف رغبة دمشق وطهران ومن سار في ركابهما، اذ عاود الطيران الحربي الروسي زخمه واستأنف ضرباته النوعية فأباح لحلفائه ان يبلغوا قبل 36 ساعة الهدف الاساسي الذي ما اخفوه يوما في سياق المواجهة الشرسة لدعم النظام من جهة، ودرء خطر المجموعات الارهابية التكفيرية من جهة اخرى، وهو الهدف المتجسد في تطويق احياء حلب التي يحتلها الارهاب توطئة لتنظيف العاصمة الاقتصادية لسوريا باعتبار ان ذلك يختزل في طياته كسباً لنصف الحرب بناء على استرتيجية يعمل بموجبها المحور اياه بالتنسيق مع القيادة الروسية.
ما حصل في الميدان الحلبي اخيرا هو في قراءة اركان المحور عينه تحوّل نوعي وانعطافة تنطوي على دلالات كبرى وتحولات في المواقف من مسار الاحداث في سوريا. ومن عناوين تلك التحولات:
- سقوط الكثير من الخطوط الحمر التي وضعتها سابقا انقرة وباركتها واشنطن ودعمتها عواصم عربية تعتبر نفسها معنية تماما بمآل الوضع في سوريا وحاولت تكريسها امرا واقعا لا يحول ولا يزول. ومن البديهي ان ثمة من يجد روابط بين التطور الاخير في الميدان الحلبي وبين التداعيات الناجمة عن الانقلاب الفاشل في تركيا.
- انفتاح الابواب امام الكلام على امكان استيلاد تسويات للمسألة السورية على نحو يضع حداً للمواجهات التي التهمت نارها الاخضر واليابس وادخلت البلاد التي عرفت باستقرارها منذ مطلع السبعينات في عمليات استنزاف كارثية.
المآل هو بطبيعة الحال رهن بما ستتكشف عنه الايام المقبلة انطلاقا من يقين سائد منذ فترة وعنوانه العريض ان الازمة السورية بالغة التعقيد والتداخل على رغم ان المحور اياه يعتقد ان الوضع عموما بعد التطور الميداني الاخير في حلب هو خلاف ما قبله باعتبار انه يجبُّ الكثير من المعايير والمسلّمات التي فرضت نفسها بعد اشهر قليلة من اندلاع الازمة.
لكن السؤال الاهم الذي يطرق اذهان جميع اللبنانيين على اختلاف رؤاهم هو: هل سيفتح هذا التطور الدراماتيكي في اقصى الشمال السوري بكل دلالاته وأبعاده نافذة ضوء في جدار الازمة اللبنانية الحائلة دون انتظام دورة الحياة السياسية وفي مقدمها ملء الشغور الرئاسي؟
وجاهة السؤال تنطلق من واقعة اساسية تكرست لدى كل الاطراف منذ زمن وفحواها ان جلّ ملفات الساحة وفي مقدمها الرئاسة الاولى قد بات اسير تطورات الوضع الاقليمي، وان على كل المعنيين ألا يصرفوا جهودهم ويعلّقوا رهاناتهم على حراك داخلي يفضي الى فصم تلازم المسارين، بدليل اخفاق الجهود التي بذلت لبلوغ ذلك ومنها مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح احد اركان 8 اذار من خارج كل الحسابات للرئاسة الاولى، ومنها ايضا مبادرة الرئيس نبيه بري من خلال الحوار الوطني اولا ومن خلال عرض السلة المتكاملة. ومع هذين العرضين سرت في الاوساط معلومات جوهرها ان الحريري ما عرض هذا العرض المباغت الا بعدما استشعر ان الامور في سوريا قد لا ترسو على البر الذي انتظر فيه. وكذلك سرت معلومات مفادها ان بري ما طرح عرضه في التداول إلا بعدما أيقن ان الجميع مأزومون ويحتاجون الى سلم للنزول عن شجرة مواقفهم. ولكن الجلي ان لا 8 اذار انطلى عليها عرض زعيم "المستقبل" ولا 14 اذار تلقفت مبادرة زعيم "امل" رغم ما انطوت عليه من اغراءات لها. ربما وحدهم المحيطون بزعيم "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون يكبّرون حجر رهاناتهم وآمال وصول زعيمهم الى قصر بعبدا كلما استشعروا تطورا مهما تواضع حجمه وضعف سنده، وقد اقاموا في الاونة الاخيرة كما هو معلوم على اعتقاد فحواه ان قصر بعبدا سيظل مطفأ الانوار ما دامت السبل امام وصول زعيمهم اليه موصدة.
في أي حال يحق لجميع اللبنانيين من سياسيين ومراقبين ان يفتحوا ابواب التكهنات والتقديرات سلبا وايجابا بناء على التطور الاخير في الشمال السوري. صحيح ان ثمة في الافق الدولي والاقليمي معطيات وقناعات توحي بان العالم قد صار على يقين اكبر من اي وقت مضى بان دوامة الحرب في سوريا وعليها باتت بلا فائدة ترتجى الا المزيد من وباء الارهاب يتفشى في طول العالم وعرضه ويجعل هدفه "القارة العجوز"، لكن حربا ساهمت أيدٍ عدة في صب الزيت على نارها طوال خمس سنوات ونبتت على هامشها حروب موازية ونمت ازمات كالازمة اللبنانية، لن تحل بكبسة زر، او لن يجرؤ احد على المغامرة بتقدير زمن انتهائها. وعليه فان التفاؤل بقرب ظهور بوادر حل للازمات اللبنانية يبدو ضرباً من التسرع.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم